للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل: في بيان شروط الجمعة، وسننها، ومندوباتها، ومكروهاتها، ومحرماتها، وموجباتها، ومسقطاتها، وما يتعلق بذلك، وهل الجمعة واجب مستقل: أو بدل من الظهر؟ في ذلك خلاف.

ومعنى كونها بدلا من الظهر أنها بدل منه في المشروعية؛ أي أن الظهر شرعت ابتداء، ثم شرعت الجمعة بدلا منها. ومعنى كونها فرضا مستقلا أنها فرض يومها من غير كونها بدلا من الظهر، وعلى كل إذا أمكن فعلها لا تجزئ عنها الظهر، وإن تعذر فعلها لتعذر شروطها فاللازم الظهر. وعَرَّفَهَا ابن عرفة بقوله: ركعتان تمنعان وجوب الظهر على رأي وتسقطها على آخر، أشار بأول المعَرَّف إلى أنها واجب مستقل، وأشار بآخره إلى أنها بدل من الظهر والجمعة بضم الميم، وبه قرأ الجماعة، وتسكن، وتفتح، وتكسر. وقرئ بها أي بالأوجه الثلاثة شاذا. وسمي يوم الجمعة بذلك؛ لأن الله تعالى أكمل فيه خلق الموجودات. ولذا قال مجاهد في قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}. قال: أولها الأحد، وآخرها الجمعة، فلما اجتمع الخلق يوم الجمعة جعله الله تعالى عيدا للمسلمين: وقيل: لأن خلق آدم جمع فيه، وقيل: لاجتماعه فيه مع حواء بالأرض، وقيل: لما جمع فيه من الخير، وقيل: لاجتماع الناس فيه للصلاة، وقيل: لأن كعب بن لؤي كان يجمع قومه فيه فيذكرهم ويأمرهم بتعظيم الحرم، ويخبرهم بأنه سيبعث منه نبي كريم، وكان بين موته ومبعث النبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة سنة وستون سنة، كما رواه أبو نعيم وغيره وقيل: إن قصيا هو الذي كان يجمعهم، قال الشاعر:

أبوكم قصي كان يدعى مُجَمِّعًا … به جمع الله القبائل من فِهْر

وقيل: أول من سماها بذلك أسعد بن زرارة، وذلك لأنها فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ولم يصلها فيها لعدم تمكنه من ذلك. (وأول جمعة صليت بالمدينة أقامها أسعد بن زرارة في بني بياضة: لما أنفذ عليه الصلاة والسلام مصعب بن عمير أميرا على المدينة، وأمره بإقامتها،