ثالثها يمنع ويهدم لقول مالك، وظاهر قول أصبغ مع ابن القاسم وسحنون عن الأخوين. انتهى. وقال عبد الباقي: وبهد بناء بطريق ولو لم يضر لأنها وقعت لمصلحة المسلمين فليس لأحد أن يبني بها، فإن كانت ملكا لشخص بأن يكون أصلها دارا له مثلا وانهدمت حتى صارت طريقا لم يزل ملكه عنها بذلك. قاله بعض شيوخنا. انظر أحمد. وظاهره ولو طال وعلم إعراضه عنها وقيده بعض الشيوخ بما لم يطل. انتهى.
فرع: إذا أخذ أحد من الطريق شيئا ببناء أو غرس واستغله فحكم عليه بهدم بنائه وإزالة غرسه هل يجب عليه رد الغلة أم لا؟ سئل عن ذلك ابن أبي الدنيا فأجاب: ما أضر بالمارين فلا خلاف في هدمه وزواله حتى لا يبقى له رسم وغلته مردودة لا تحل للمغتل وتصرف للفقراء ولا تنفع الحيازة على العامة، وما ليس له مالك معلوم وما لا يضر والطريق واسع فاختلف هل يمنع أو يباح؟ وقد هدم عمر كيرا لحداد، وقال:[تضيقون](١) على الناس الطريق، وقال مطرف: يمنع ولو كان مثل البيداء وهو الصواب، وإنما يكون الفناء للقاعد للبيع والحاجة. انتهى.
وسأل أبو الفضل عياض ابن رشد عن رجل أدخل طريقا من طرق المسلمين في جنته وحازها وغرسها وقطع المرور فيها واغتلها مرة ثم بعد ذلك قامت فيها البينة وحيزت ولزم إخراجها للمسلمين، ماذا يلزمه في ذلك وماذا ترى فيما اغتل مما غرسه فيها وفي شهادته؟ وأين من قطع الطريق بالكلية ممن أخذ بعضها؟ وفي علمك ما ورد في هذا أفتنا بما عندك في هذا وعن ترك الشهود القيام به إلى الآن وما رأيك في ذلك، واختيارك من الأقوال لاسيما إن كان فاعل ذلك ممن لا يعلم أن القيام يلزمهم، جاوبني عليه مأجورا إن شاء اللَّه.
فأجاب: تصفحت -أعزك اللَّه بطاعته وتولاك بكرامته- سؤالك هذا ووقفت عليه، ويلزم الذي قطع المحجة وأدخلها في جنانه وقطع منافع المسلمين في المرور عليها وهو عالم بذلك غير جاهل به مستخف بارتكاب المحظور فيه الأدب على ذلك مع طرح الشهادة ولا يجب عليه فيما اغتله مما غرسه شيء يحكم به عليه؛ إذ ليس الطريق لمعين فيحكم له بحقه فيما اغتل منه على ما في علمك من الاختلاف في ذلك، وإنما هو حق لجماعة المسلمين في المرور عليها هو أحدهم، وقد قيل على علمك في الحبس الموضوع للغلة إذا انفرد باستغلاله بعض المحبس عليهم دون سائرهم إنه إنما
(١) في الأصل: تضيعون، والمثبت من الرهوني ج ٦ ص ٨٥.