للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب: يذكر فيه اليمين وما يتعلق بها]

وهو باب ينبغي الاعتناء به لكثرة وقوعه وتشعب فروعه، واليمين في اللغة مأخوذة من اليمين الذي هو العضو؛ لأنهم كانوا إذا حلفوا وضع أحدهم يمينه في يمين صاحبه، فسمي الحلف يمينا، وقيل اليمين: القوة، وسمي العضو يمينا لوفور قوته على اليسار، ومنه قوله تعالى: {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} أي بالقوة، ولما كان الحلف يقوي الخبر سمي يمينا والقسم بالتحريك: اليمين: وأقسمت أي حلفت، قال بعضهم: أصله من القسامة وهي الأيمان تقسم على الأولياء، والحلف بكسر اللام وسكونها بمعناه، وقوله تعالى: {تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ}، قال ابن عباس: أي من قبل الدين فتزينون لنا ضلالتنا كأنه أراد: تأتوننا عن المأتى السهل.

الأصمعي: فلان عندنا باليمين أي بمنزلة حسنة، واليمين بمعنى القسم، فجمع على أيمان وأيمن، ولفظ اليمين مؤنث، ففي الحديث: (من اقتطع مال مسلم بيمين كاذبة فقد تبوأ مقعده من النار (١) وفيه أيضا: (اليمين الفاجرة تذر الديار بلاقع (٢) واليمين شرعا عرفها ابن عرفة بقوله: اليمين قسم أو التزام مندوب غير مقصود به القربة أو ما يجب بإنشاء لا يفتقر لقبول معلق بأمر مقصود عدمه. انتهى. فخرج بقوله: غير مقصود به القربة، النذر كلله علي دينار صدقة فإن المقصود به القربة، بخلاف اليمين نحو: إن دخلت الدار فعبدي حر، فإنه إنما قصد الامتناع من دخول الدار، وقوله: غير بالرفع صفة التزام، وقوله: معلق بالرفع صفة لما من قوله: أو ما يجب بإنشاء لأنها نكرة موصوفة ووصف الأمر بأن المقصود عدمه؛ لأنه كذلك في الحنث والبر، ففي قوله: أنت طالق إن دخلت الدار، الأمر المعلق عليه دخول الدار، والمقصود عدم دخولها، وفي قولك: إن لم تدخلي الدار، الأمر المعلق عليه عدم دخول الدار، والمقصود عدم ذلك العدم وهو دخولها، وإنما وصف الأمر بما ذكر ليخرج عنه إذا قال: أنت حر إن برئ؛ أي من مرضه، أو إن برأ أبي من مرضه فعبدي حر، فهذا نذر لا يمين؛ لأن البرء ليس بمقصود عدمه بل وجوده. انتهى. قاله الخرشي في كبيره.


(١) من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين كاذبة لقي الله وهو عليه غضبان، صحيح البخاري كتاب التوحيد، رقم الحديث، ٧٤٤٥. والموطأ، كتاب الأقضية، الحديث ١٤٣٥ وأبو داود، كتاب الأيمان والنذور.
(٢) شعب الإيمان للبيهقي، رقم الحديث، ٧٩٧١.