للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد علم من تعريف ابن عرفة أن اليمين ثلاثة أنواع: القسم، والتزام مندوب غير مقصود به القربة، وما يجب بإنشاء على الوجه الذي ذكره. والإنشاء هو ما يقع به مدلول، وأخرج بقوله: لا يفتقر لقبول، الهبة والصدقة ونحوهما.

واعلم أن حكم اليمين الجواز إذا كانت باسم من أسماء الله تعالى أو بصفة من صفاته، قاله في اللباب. قاله الحطاب. وقال ابن حجر في شرح البخاري في كتاب الإيمان في باب أحب الدين إلى الله أدومه: فيه جواز الحلف من غير استحلاف، وقد يستحب إذا كان فيه تفخيم أمر من أمور الدين أو حث عليه أو تنفير من محذور. انتهى. قاله الحطاب.

وفي المدخل: وتكثير الحلف لغير ضرورة من البدع الحادثة بعد السلف رضي الله عنهم، بل كان بعضهم [يتوقى (١)] أن يذكر اسم الله إلا على سبيل الذكر حتى إذا اضطروا في الدعاء إلى من أحسن إليهم بالمكافأة له يقولون: جزيت خيرا، خوفا على اسم الله. انتهى. قاله الحطاب.

وقال الشبراخيتي: واختلف هل الحلف من حيث هو مباح وإليه ذهب الأكثر. ابن عبد السلام: وهو الصحيح نقلا ونظرا أو راجح الترك، وإليه ذهب بعضهم قولان، سمع أشهب وابن نافع: كان عيسى عليه السلام يقول لبني إسراءيل: كان موسى ينهاكم أن تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون، وأنا أنهاكم أن تحلفوا بالله صادقين أو كاذبين. ابن رشد: قول عيسى خلاف شرعنا؛ لأنه صدر منه صلى الله عليه وسلم كثيرا، وأمره الله به تعالى كما في سورة يونس: {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ}، فلا وجه لكراهته؛ لأنه تعظيم لله، ويحتمل أن تكون كراهة عيسى عليه الصلاة والسلام خوف الكثرة فيؤول إلى حلف كذب أو تقصير في الكفارة.

الشيخ عن ابن حبيب: أقول كقول عمر: اليمين مأثمة ومذمة، وما يكاد من حلف يسلم من الحنث. انتهى.

وحكمة مشروعيتها الحث على الوفاء بالعقد مع ما فيه من المبالغة في التعظيم. انتهى. قاله الحطاب عن اللباب. وقد مر تعريف ابن عرفة لليمين الشرعية، وعرفها القرافي بقوله: هو جملة خبرية وضعا، إنشائية معنى، متعلقة بمعنى معظم عند المتكلم، مؤكدة لجملة أخرى من غير


(١) في النسخ يوقر والمثبت من الحطاب ج ٤ ص ٥٩ ط دار الرضوان.