للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل: يذكر فيه سجود التلاوة، وحكمه، وشروطه، وأمكنته، ولم يعبروا بالقراءة؛ لأن التلاوة أخص فإنها مأخوذة من تلا إذا تبع، والقراءة تكون في كلمة واحدة، والأصل فيه قوله تعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا}، وقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ}، وغيرهما من الآي.

تنبيه: لو ازدحموا عند سجود التلاوة حتى ما يجد بعضهم موضعا لجبهته، روى البيهقي بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: (إذا اشتد الزحام فليسجد أحدكم على ظهر أخيه (١))؛ أي ولو بغير إذنه، ولابد من إمكانه مع القدرة على هيئة الساجد؛ بأن يكون على مرتفع، والمسجود عليه في منخفض، وبه قال أحمد والكوفيون. وقال مالك: يمسك، فإذا رفعوا سجد. وإذا قلنا بجواز السجود في الفرض فهو أجوز في سجود القرآن؛ لأنه سنة، وذلك فرض. قاله القسطلاني.

سجد بشرط الصلاة؛ يعني أنه لا يسجد سجود التلاوة قارئ ولا مستمع إلا من كان منهما ملابسا للشرط الذي لا تصح الصلاة النافلة إلا به من طهارة حدث، وخبث، وستر عورة، واستقبال قبلة. ويجري هنا: "وصوب سفر قصر لراكب دابة" الخ، ولا يجزئ عنها الركوع عندنا ولا الإيماء إلا المتنفل على الدابة بسفر قصر. كما قاله الفاكهاني، وغيره. ويجوز سجودها بسفينة لغير قبلة إن لم يمكن الدوران، والباء في قوله: "بشرط" للمصاحبة.

ولما كانت السجدة من توابع القراءة، كان لها أيضا بها شبه وهو عدم الإحرام والسلام، ولذا قال: بلا إحرام؛ يعني أن سجود التلاوة يكون بغير إحرام؛ أي لا يكبر له تكبيرا زائدا على تكبير الهوي اتفاقا، بل إنما يكبر للهوي والرفع -كما يأتي- وفهم من قوله: "بلا إحرام"، أنه لا يرفع يديه وهو كذلك، قال الإمام الحطاب ولا يرفع يديه بالتكبير عندنا، قاله الفاكهاني. انتهى. والباء في قوله: "بلا إحرام"، للتعدية. قاله الشيخ عبد الباقي.


(١) إرشاد الساري للقسطلاني، ج ٣ ص ١٢٠.