وقد مر ذكر مناسبة إتيانه بالنكاح عقب الجهاد وافتتاحه بمسائل من الخصائص، وفي بعض النسخ: فصل، والنكاح في اللغة التداخل، يقال نكح البذر الأرض والحصا أخفاف الإبل والنعاس المعين؛ إذا دخل فيها، قال الشاعر:
قال ابن راشد: ولا خلاف أنه حقيقة في الوطء عند أهل اللغة، وقيل للتزويج نكاح من باب إطلاق المسبب وإرادة السبب فهو حقيقة في الوطء ومجاز في العقد هذا هو الصحيح، وقال الفراء: النكح بضم النون: البضع أي الفرج، فمعنى نكحها أصاب نكحها، وقال الزجاجي: - هو يعني النكاح في كلام العرب - بمعنى الوطء والعقد جميعا، وسئل الفارسي خن ذلك فقال: فرقت العرب بينهما فرقا لطيفا يعرف به موضع العقد من الوطء، فإذا قالوا: نكح فلان بنت فلان أو أخته أو فلانة فمرادهم العقد عليها، وإذا قالوا نكح زوجته أو امرأته فمرادهم المجامعة؛ لأن ذكر زوجته أو امرأته يغني عن العقد. انتهى. وفي العرف يستعمل مرادا به العقد على المرأة وقلما يراد به الوطء ويستعمل في الشرع مرادا به الوجهان، والصحيح أنه في الشرع حقيقة في العقد مجاز في الوطء لكثرة وروده في الكتاب والسنة للعقد حتى قيل إنه لم يرد في القرآن إلا للعقد، ولا يرد مثل قوله تعالى:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}؛ لأن شرط الوطء في التحليل إنما ثبت بالسنة.
وعرف ابن عرفة النكاح بقوله: عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمتها ببينة قبله غير عالم عاقدها حرمتها إن حرمها الكتاب على المشهور أو الإجماع على الآخر، فيخرج عقد تحليل الأمة إن وقع ببينة، ويدخل نكاح الخصي والطارئين لأنه ببينة صدقا فيها ولا يبطل عكسه نكاح من ادعاه بعد ثبوت وطئه بشاهد واحد أو فشو بنائه باسم النكاح، لقول ابن رشد: عدم حده للشبهة لا لثبوت نكاحه. انتهى. قوله: عقد جنس، وأصل العقد في اللغة الربط ومنه عقد إزاره وقد يستعار للمعاني كهذا، وعبر بالعقد هنا لأن النكاح فيه إيجاب وقبول من الجانبين، فالعقد فيه لزوم العاقد على نفسه أمرا من الأمور.