للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل في المسح على الجبيرة: والظاهر في وجه تأخير هذا الفصل أن مسح الجبائر رخصة في الطهارة المائية والترابية، فناسب تأخيره عنهما، والجبيرة جمعها جبائر؛ وهي أعواد ونحوها تربط على الكسر أو الجرح، وهي فعيلة بمعنى فاعلة من الجبر، سميت بذلك تفاؤلا كالقوافل. واعلم أن التفريق الحاصل في البدن إن كان في الرأس قيل له شجة، وفي الجلد خدش وجحش كما في حديث (سقط رسول الله صلى الله عليه وسلم فجحش ساقه) (١))، أو فيه وفي اللحم قيل له جرح، والقريب العهد الذي لم يقح يقال خراج كغراب، وما قيح قرح، وفي العظم كسر، وفي العصب عرضا قيل له بقر، أو طولا قيل له شق، وإن كان عدده كثيرا سمي شدخا، وفي الأوردة والشاربين قيل له انفجار، وهذه الفائدة يحتاج إليها في قول الجلاب والتهذيب: من كانت به شجاج أو جراح أو قروح فيعلم الفرق بينها في اللغة. قاله في الذخيرة. وفي التوضيح أن الجرح يعم ما في الرأس والجسد. قاله الإمام الخطاب. إلا قوله: وجحش كما في حديث سقط رسول الله صلى الله عليه وسلم فجحش ساقه فإنه للشبراخيتي، وقد مر أنه تكره إمامة الماسح على الجبيرة لغيره.

إن خيف غسل جرح يعني أن من كان به جرح في أعضاء وضوئه وهو محدث أصغر، أو في بدنه جرح وهو محدث أكبر إن قدر على غسل الجرح من غير ضرر، أو مسحه حيث كان في الرأس من غير ضرر أيضا، فإنه يجب عليه غسله في الغسل والوضوء، أو مسحه مباشرة حيث كان في الرأس وهو محدث أصغر، فإن خاف بغسل المغسول خوفا كالخوف المبيح للتيمم يعني بذلك قوله: إن خافوا باستعماله مرضا أو زيادته أو تأخر برء، فإنه يجب عليه مسح ذلك الجرح بالماء مباشرة إن خاف بغسله هلاكا أو شديد أذى، وندبا إن خاف أذى غير شديد، ويمسح مرة واحدة، ولو كان بمحل يغسل ثلاثا، ولابد أن يعم وإلا لم يجزه، ولا مفهوم لقوله: "جرح" بدليل قوله: كعمامة؛ لأنه لا جرح تحتها، وكذا الرمد. قاله الشبراخيتي. وبما قررت علم أن قوله: مسح جواب قوله: "إن خيف" ثم جبيرته يعني أنه إذا خاف من وصول البلل إلى الجرح في


(١) البخاري، كتاب الأذان، رقم الحديث: ٨٠٥.