تعين قاتله، وكذلك لو كان كلا الصفين متأولا فمن قتله منهم الآخر هدر. وفي سماع عيسى: إن كان القتيل الذي وجد بين الصفين إنما كانوا قوما يقاتلون على تأويل، قال: فليس على الذين قتلوه قتل وإن عرفوا ولا دية، وليس أهل التأويل كغيرهم. ابن رشد: مثله في أثر المدونة من قول ابن شهاب، ومثله روى أشهب: الباجي: لو مشت إحدى الطائفتين إلى الأخرى بالسلاح إلى منازلهم فقاتلوهم ضمنت كل فرقة ما أصابت من الأخرى. رواه محمد وابن عبدوس. قال: ولا يبطل دم الزاحفة لأن المزحوف إليهم لو شاءوا لم يقتلوهم واستردوا إلى السلطان، قال غيره: هذا إن أمكن السلطان أن يحجز بينهم، فإن عاجلوهم ناشدوهم اللَّه فإن أبوا فالسيف ونحوه في المدونة، ومعنى ذلك أنه لا دية عليهم، هذا كله إن كان حربهم لنائرة وتعصب، فإن كان لتأويل، فقد قال ابن حبيب: ليس بين أهل الفتن قود فيما نال بعضهم من بعض على التأويل، ولا تباعة في مال إلا فيما كان قائما بعينه لم يفت، قال ابن القاسم: وليس على القاتل قتل ولا دية وإن عرف، بخلاف غيرهم. انتهى.
تنبيه: قد مر تفسير التأويل عند قوله: "وإن تأولوا" وهو للشبراخيتي ونحوه للخرشي، وقال البناني عند قوله "كزاحفة على دافعة": هذا تشبيه لأن ظاهر قوله تأولوا أن التأويل من الفريقين، ويحتمل أنها للتمثيل إذا كان قوله:"تأولوا" شاملا للتأويل من أحد الفريقين، وتقدير كلامه كإهدار دماء طائفة أو جماعة زاحفة باغية على دافعة، فقوله:"على دافعة" متعلق بمحذوف، وانظر إذا قتل واحد من الجماعة الدافعة هل يقتل به جميع الجماعة الباغية لأنهم أي الدافعة متأولون وهو الظاهر أم لا؟ انتهى.
قال الرهوني: قول محمد بن الحسن البناني: وانظر إذا قتل واحد من الجماعة الدافعة الخ سكت عما إذا قتل واحد مثلا من إحدى الطائفتين الباغيتين، فظاهره أنه لا يقتل فيه أحد من الطائفة المنازعة لطائفته؛ لأن توقفه واستظهاره فيما إذا كان المقتول من الطائفة الدافعة، فإن كان هذا مراده فصحيح ما أفاده كلامه، لكن يرد عليه أنه لا فرق بين الصورتين، فما استظهره مخالف للنصوص الصريحة، كنص الباجي وابن يونس السابقين وغيرهما، وقد حكى الرجراجي الاتفاق على نفي القصاص وعبارته تشمل الصورتين، وإن كان موضوع كلامه أولا في الفرقتين الباغيتين