فصل يذكر فيه آداب قضاء الحاجة، وما يتعلق به من استنجاء واستجمار وغيرهما، وذلك ثلاثة أقسام: قسم عام في الفضاء والكنيف، وقسم خاص بالفضاء، وقسم خاص بالكنيف. وبدأ بالأول فقال: ندب لقاضي الحاجة جلوس؛ يعني أن الذي يريد قضاء حاجة البول يندب له الجلوس إذا كان الموضع رخوا طاهرا والرخو مثلث الراء الهش من كل شيء، وندب الجلوس؛ لأنه أقرب إلى الستر. وقال الشيخ محمد بن عبد الباقي: وبجواز البول قائما من غير كراهة قال عمر وابنه عبد الله -رضي الله عنهما-، وزيد بن ثابت، وابن المسيب، وابن سيرين، والنخعي، وأحمد، وقال مالك إنه إن كان في مكان لا يتطاير عليه منه شيء فلا بأس به، وإلا كره. وكرهه تنزيها عامة العلماء ثم نَقَل عن الإمام ابن حجر أنه قال: وقد ثبت عن عمر وابنه وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياما، وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش، ولم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في النهي عنه شيء. انتهى.
ومنع برخو نجس هذه المسألة عكس التي قبلها في الطهارة؛ يعني أن الموضع إذا كان رخوا نجسا فإنه يمنع قضاء الحاجة فيه للجالس؛ أي حاجة البول، ويتعين عليه القيام، ومعنى المنع الكراهة؛ لأن غاية ما فيه التضمخ بالنجس، والمعتمد فيه الكراهة، وأما الموضع الصلب فإن كان طاهرا تعين الجلوس به؛ أي تأكد ندبه، وإن كان نجسا تنحى عنه قياما وقعودا؛ أي تأكد ندب تنحيه. وهذه الأقسام الأربعة إنما هي في البول من الذكر الفحل، وأما الغائط فلا يجوز إلا جالسا، ومثله بول المرأة، والخصي، والخنثى الشكل حيث بال من الفرج، والمراد بعدم الجواز في هذه: الكراهة الشديدة؛ لأن غاية ما يلزم في المخالفة التضمخ بالنجس، وهو مكروه على الراجح إلا لضرورة، وقول غير واحد: يجوز البول قائما؛ لأنه عليه الصلاة والسلام فعله (١)). انتهى. معناه عدم الحرمة فلا ينافي أنه مكروه أو خلاف الأولى لا ما استوى طرفاه، وفي المدخل: اختلف في البول قائما فأجيز وكره، والمشهور الجواز إذا كان في موضع رخو لا يمكن الاطلاع عليه، فإنه يُسْتَشفى به من وجع الظهر، وعلى ذلك حملوا ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام (أنه أتى سبَاطَةَ
(١) عن حنيفة قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- سباطة قوم فبال قائما ثم دعا بماء فجئته بماء فتوضأ. البخارى، كتاب الوضوء، رقم الحديث: ٢٢٤. ومسلم، كتاب الطهارة، رقم الحديث: ٢٧٣. وأبو داود، كتاب الطهارة، رقم الحديث: ٢٣.