قوْم فبال قائما، رواه الشيخان وأبو داوود (١)). فمراده بالجواز نفي الكراهة الشديدة لا الجواز المستوي الطرفين لما علمت. وتؤول أيضا ما ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- على أن الموضع رخو نجس، وتعذر الانتقال عنه فإن القيام حينئذ مطلوب. قاله بناني. وقال مجاهد: ما بال صلى الله عليه وسلم قائما إلا مرة واحدة. وقيل إنما فعله -صلى الله عليه وسلم- قائما لقرب الناس منه، والبول قائما يؤمن معه خروج الصوت، والسباطة مَوْضِع طَرْحِ الكناسة. قال الشيخ عبد الباقي. والظاهر أن الاستشفاء لا يتقيد بكونه في موضع رخو وإنما أمر الأشياخ باجتناب الصلب النجس؛ لأنه إن قام خاف أن يتطاير عليه البول، وإن جلس خاف أن يتلطخ بنجاسة الموضع. انظر الحطاب.
قال جامعه عفا الله عنه: مقتضى هذا أنه لو كانت نجاسة الموضع الصلب حكمية لكان كالطاهر، فيتأكد ندب الجلوس به كما هو الظاهر، ويفيده قول الباجي: وإن كان الموضع دمثا، وهو مع ذلك قذر بال البائل فيه قائما لا جالسا؛ لأن جلوسه يفسد ثوبه ويأمن تطاير البول إذا وقف. اهـ. وندب الجلوس بالرخو الطاهر؛ لأنه أقرب للستر كما مر، وتعين الجلوس بالصلب الطاهر؛ لأنه يامن التلطخ بالنجاسة إن جلس، ولا يأمنها إن قام، وتعين القيام بالرخو النجس؛ لأنه يأمن التطاير في قيامة، وإن جلس خاف التلطخ.
وحاصل هذا أنه يجتنب النجاسة، ويفعل ما هو أقرب إلى الستر واجتناب النجاسة آكد من الستر إذا كان بموضع لا يرى فيه. قاله الإمام الحطاب. وما تقدم من أنه يتأكد ندب الجلوس بالصلب الطاهر، وأنه لا يجتنبه بالكلية كالصلب النجس خلاف ظاهر المص فيما يأتي، فإنه ذكر أن الصلب يتقى ولم يقيده بالنجس. قال ابن غازي: ولا أعرفه إلا لأبي حامد الغزالي. قال الحطاب: ذكر في الذخيرة عن الجواهر أن من الآداب أن يجتنب الموضع الصلب احترازا من الرشاش، وأطلق في ذلك، ولا شك أنه يخشى من تطاير البول فيه مطلقا سواء كان طاهرا أو نجسا فينبغي تجنبه ولكني لم أقف على ما ذكره عن الجواهر فيها، والذي رأيته فيها: وإن كان نجسا
(١) عن حذيفة قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- سباطة قوم فبال قائما ثم دعا بماء فجئته بماء فتوضأ. البخاري، كتاب الوضوء، رقم الحديث: ٢٢٤. ومسلم، كتاب الطهارة، رقم الحديث: ٢٧٣ وأبو داود، كتاب الطهارة، رقم الحديث: ٢٣.