فَوائِدٌ: الأُولى: قال في الشفا: وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: (من جحد آية من كتاب اللَّه تعالى من المسلمين فقد حل ضرب عنقه)(١)، وكذلك من جحد التورية والإنجيل وكتب اللَّه تعالى المنزلة، أو كفر بها أو لعنها أو سبها أو استخف بها فهو كافر، وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين مما جمعه الدفتان من أول:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، إلى آخر:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} أنه كلام اللَّه تعالى ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى اللَّه عليه وسلم، وأن جميع ما فيه حق وأن من نقص منه حرفا قاصدا لذلك أو بدله بحرف آخر مكانه أو زاد فيه حرفا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع عليه الإجماع وأجمع أنه ليس من القرآن عامد الكل هذا أنه كافر، ولهذا رأى مالك قتل من سب عائشة رضي اللَّه عنها بالفرية؛ لأنه خالف القرآن ومن خالف القرآن قتل أي لأنه كذب بما فيه. وقال ابن القاسم: من قال إن اللَّه تعالى: لم يكلم موسى تكليما يقتل، وقاله ابن عبد الرحمن بن مهدي، وقال محمد بن سحنون فيمن قال: المعوذتان ليستا من كتاب اللَّه تعالى تضرب عنقه إلا أن يتوب، وكذلك كل من كذب بحرف منه، قال: وكذلك إن شهد شاهد عدل على من قال إن اللَّه تعالى لم يكلم موسى تكليما، وشهد آخر عليه أنه قال إن اللَّه تعالى ما اتخذ إبراهيم خليلا؛ لأنهما اجتمعا على أنه كذب النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وقال أبو عثمان ابن الحداد: جميع من ينتحل التوحيد متفقون على أن الجحد لحرف من التنزيل كفر. وقال عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه: من كفر بآية من القرآن فقد كفر به كله ومن كفر به قتل، وقال أصبغ بن الفرج: من كذب ببعض القرآن فقد كذب به كله، وسئل القابسي عمن خاصم يهوديا فحلف له بالتورية، فقال الآخر: لعن اللَّه التورية فشهد شاهد بذلك ثم شهد آخر أنه سأله عن القضية فقال إنما لعنت تورية اليهود، فقال أبو الحسن: الشاهد الواحد لا يوجب القتل، والثاني علق الأمر بصفة توجب التأويل إذ لعله لا يرى اليهود متمسكين بشيء من عند اللَّه تعالى لتبديلهم وتحريفهم، ولو اتفق الشاهدان على لعن التورية مجردا لضاق التأويل. وقد
(١) سنن ابن ماجه، أبواب الحدود، رقم الحديث، ٢٥٣٩. بلفظ: من جحد آية من القرآن فقد حل ضرب عنقه.