للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باب: ذكر فيه أحكام الزكاة وما تجب فيه، وقدر الواجب وما يتعلق بذلك

وفي حديث الطليطلي أنه: لا صلاة لمن لا زكاة له ولا زكاة لمن لا صلاة له، والزكاة في اللغة النماء والبركة وزيادة الخير، يقال: زكا الزرع إذا نمى، وزكت البقعة بورك فيها، وفلان زاك كثير الخير، ومنه تزكية الشهود لأنهم رفعوا من حال السخطة إلى حالة العدالة، والزكاة شرعا اسما جزء من المال شرط وجوبه لمستحقه بلوغ المال نصابا، ومصدرا إخراج جزء من المال شرط وجوبه لمستحقه بلوغ المال نصابا، قاله ابن عرفة. قوله: شرط وجوبه لمستحقه، يخرج الخمُس وما أشبهه، وأورد عليه من قال: إذا بلغ مالي عشرين دينارا فعلي لله دينار منها -مثلا- فيصدق على هذا الدينار أنه جزء من المال شرط الخ.

واعلم أن في قول ابن عرفة: شرط وجوبه: تسامحا؛ لأن النصاب سبب لا شرط، وقول ابن عرفة: اسما منصوب على ما قيل في قولنا: الدليل لغة قيل على التمييز، وهو مردود، وقيل: على إسقاط الخافض وهو أقرب إلا أنه قليل، وإنما قلنا إن نصبه على التمييز مردود؛ لأن اللفظ المشترك لا يصح نصب التمييز بعده للفرق بين الإبهام الذاتي والرضي. قاله الشيخ الخرشي. وسميت الزكاة زكاة لأنها تعود في المال بالبركة والتنمية، أو لأن القدر الخرج ينمو عند الله ويزكو كما في الحديث: (ما تصدق عبد بصدقة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا طيبا- إلا كان كأنما يضعها في كف الرحمن، فيربيها له كما يربي أحدكم فَلُوَّهُ أو فصيله حتى تكون كالجبل (١)). وفيه ولم يقل: ولده؛ لأن الولد ليس بمال يتصدق به، ولأن النفعة بالفلو والفصيل محققة إما بالركوب أو بالحمل أو بالثمن، ومن الانتفاع بالصدقة أنها تظله يوم القيامة من حر الشمس حتى يقضى بين الناس، أو لأن صاحبها يزكو بأدائها، كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}. انظر الشبراخيتي. وفي الحديث: (ما فرض الزكاة إلا ليطيب (٢) ما بقي من أموالكم (٣)). انتهى. فإذا لم تخرج منه كان خبيثا؛ ولذا سميت أوساخا.


(١) مسلم، كتاب الزكاة، الحديث: ١٠١٤. الترمذي، كتاب الزكاة، الحديث: ٦٦١.
(٢) في الأصل لتطيب، والمثبت من أبي داود، كتاب الزكاة، الحديث: ١٦٦٤.
(٣) أبو داود، كتاب الزكاة، الحديث: ١٦٦٤. ولفظه: إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم.