للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل: في بيان مستحق الزكاة، وما يتعلق بذلك، ومصرفها؛ المصرف هنا بكسر الراء اسم مكان ولا يصح الفتح هنا على أن المراد المصدر لفساد المعنى لأن المصدر لا يخبر عنه بالذات مع أن المحفوظ في المتن الكسر، ومعنى كلام المصنف أن الذي تصرف إليه الزكاة ثمانية أصناف؛ أحدها أشار إليه بقوله: فقير؛ يعني أن الفقير ممن يستحق الزكاة، والفقير من له بلغة لا تكفيه لعيش عامة. قاله الشبراخيتي وغيره. وهو من فقر ككرم وتعب، ومعناه في اللغة: المحتاج، ويقال للأنثى: فقيرة، وجمعها فقراء كالمذكر، ومثلها سفيهة وسفهاء ولا نظير لهما؛ وهو مشتق من فقار الظهر كأن صاحبه انكسرت فقرات ظهره فلم تبق له قوة. قاله الشبراخيتي. وقال الخرشي: قال الأخفش: إن الفقير من قولهم: فقرت له فقرة من مالي؛ أي قطعت له قطعة فهو من له قطعة من المال. ومسكين، هذا هو الصنف الثاني من الأصناف الثمانية؛ يعني أن من المستحق للزكاة المسكين. وقوله: وهو أحوج، أشار به إلى أن الفقير والمسكين كل منهما صنف وليسا بمترادفين؛ يعني أن المسكين أحوج من الفقير؛ لأن الفقير هو من له بلغة لا تكفيه لعيش عامة، والمسكين من لا شيء له بالكلية، وهذا هو المشهور لقوله تعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (١٦)} [البلد: ١٦]؛ أي بلغت به الحاجة أن لصق جلده بالتراب من غير حائل، فليس له علقة من المال؛ ولقوله عليه الصلاة والسلام: (ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان ولا التمرة والتمرتان، قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟ قال: الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يتفطن له فيتصدق عليه ولا يسأل الناس شيئا (١)). ولا شك أن من هذه الحالة حالته تناهت به الحاجة إلى غايتها، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا (٢))، فمعناه أنه صلى الله عليه وسلم إنما سأل السكنة التي معناها يرجع إلى التواضع وإلى استكانة القلب لله عز وجل وأن لا يكون من الجبارين، لا المسكنة التي هي نوع من الفقر، وأما قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} حيث أثبت للمساكين شيئا فالراد أنهم مساكين القهر والغلبة فلا طاقة لهم بدفع المَلِك عن غصب سفينتهم


(١) مسلم، كتاب الزكاة، الحديث: ١٠٣٩. ولفظه: ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان قالوا فما المسكين يا رسول الله قال الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يسأل الناس شيئا. والموطأ، كتاب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث: ١٧١٣.
(٢) الترمذي، كتاب الزهد، الحديث: ٢٣٥٢.