للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل: في التفويض]

وهو ينقسم إلى توكيل وتخيير وتمليك، فالتوكيل جعل إنشاء الطلاق بيد الغير باقيا منع الزوج منه، والتمليك جعل إنشاء الطلاق حقا لغيره راجحا في الثلاث يخص بما دونها بنية، والتخيير جعل الزوج إنشاء الطلاق الثلاث حكما أو نصا عليه حقا لغيره، والفرق بين هذه الحقائق أمر عرفي للفقهاء فينعكس بانعكاس العرف. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الإمام الحطاب: الفرق بين الوكيل وغيره أن الوكيل يفعل ذلك على سبيل النيابة عن من وكله، والملك والخير إنما يفعلان ذلك عن أنفسهما لأنهما ملكا ما كان يملكه الزوج، وأما الفرق بين التخيير والتمليك فقيل أمر عرفي لا مشاركة للغة فيه، فقولهم في المشهور كما سيأتي: إن للزوج أن يناكر الملكة دون المخيرة إنما هو أمر مستفاد من العرف، وعلى هذا ينعكس الحكم بانعكاس العرف، وقيل: هو وإن كان تابعا للعرف إلا أن العرف تابع للغة أو قريب منها؛ لأن التمليك إعطاء ما لم يكن حاصلا، فلذلك قلنا: إن للزوج أن يناكرها لأن الأصل بقاء ملكه بيده فلا يلزمه إلا ما اعترف بأنه أعطاه، وأما التخيير فقال أهل اللغة: خير فلانا بين شيئين إذا جعل له الخيار، فيكون تخيير الزوج معناه أن الزوج فوض إليها البقاء على العصمة والذهاب عنها، وذلك إنما يتأتى لها إذا حصلت على حال لا يبقى للزوج عليها حكم فيها وإنما يكون ذلك بعد الدخول في إيقاع الثلاث، قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: يتحصل من كافى مهم هنا أن التوكيل ما دل على أن الزوج جعل الغير نائبا عنه في إنشاء الطلاق مع أن للزوج منعه من ذلك قبل إيقاعه له بأي لفظ كان، وأن التخيير ما دل على أن الزوج جعل للمرأة أحد أمرين إما أن تبين منه أو تقيم معه بأي لفظ كان، وأن التمليك وهب لها ما له من إنشاء الطلاق؛ والأصل أن ملك الإنسان لا ينتقل عنه إلا بمحقق فلذا ناكر مطلقا، والمعتبر ما دل على ذلك بأي لفظ كان. والله أعلم. واعلم أن الشافعي وأبا حنيفة وأحمد اتفقوا على أن التخيير كناية لا يلزم فيه شيء إلا بالنية؛ لأن لفظ التخيير يحتمل التخيير في الطلاق وغيره، وإن أراد الطلاق فيحتمل الوحدة والكثرة، والأصل بقاء العصمة حتى ينوي. القرافي: والصحيح الذي يظهر أن قول الأئمة الثلاثة هو مقتضى اللفظ لغة لا مرية في ذلك، وأن مالكا رحمه الله أفتى بالثلاث بناء على عادة كانت في زمانه أوجبت نقل اللفظ عن مسماه اللغوي إلى هذا المفهوم فصار صريحا فيه، ويلزم على هذا بطلان الحكم اليوم