للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب: ذكر فيه أحكام الجهاد وما يتعلق به]

وهو لغة التعب والمشقة، وفي الشرع قال ابن عرفة: قتال مسلم كافرا غير ذي عهد لإعلاء كلمة الله تعالى أو حضوره له أو دخول أرضه له، فخرج قتال الذمي المحارب على المشهور من أنه غير نقض، وقوله: لإعلاء كلمة الله تعالى، يقتضي أن من قاتل لأخذ الغنيمة أو لإظهار الشجاعة أو غيرهما لا يكون مجاهدا، فلا يستحق الغنيمة حيث أظهر ذلك، ولا يجوز له تناولها حيث علم ذلك من نفسه، قال الشيخ محمد بن الحسن: وفيه نظر، والصواب كما أفاده علي الأجهوري في حاشية الرسالة أنه يستحق الغنيمة بمجرد القتال مطلقا، وأن الذي يتوقف على قصد الإعلاء هو كونه شهيدا.

ابن عرفة: ويدخل في إعلاء كلمة الله تعالى قتال العوام الكافر لكفره، ومحل نية الجهاد عند الخروج له يدل على ذلك الحديث، ويدل على أنه لا يشترط مقارنة النية للشروع في القتال؛ لأن المحل محل دهش وغفلة، وقوله: أو حضوره له، الضمير في الحضور يعود على القتال، وضمير له يعود على إعلاء أو على القتال، وضمير أرضه يحتمل عوده على الكافر وله على القتال، ويحتمل أن الضمير الأول عائد على الققال، والثاني للققال أو لإعلاء الكلمة.

واعلم أن الجهاد على أربعة أقسام: جهاد بالقلب وهو أن يجاهد الشيطان والنفس عن الشهوات المحرمات وهو الجهاد الأكبر كما في الحديث: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر (١))، وجهاد باللسان كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ذلك جهاده -صلى الله عليه وسلم- للمنافقين قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ}، فجهاد الكفار بالسيف وجهاد المنافقين باللسان، وجهاد باليد كزجر أولي الأمر أهل المناكر والأباطيل والمعاصي وإقامة الحدود على القذفة وشربة الخمر، وجهاد بالسيف وهو قتال المشركين وهو المراد هنا. وحيث أطلق الجهاد في سبيل الله تعالى فلا يقع إلا على مجاهدة الكفار بالسيف حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون قاله الشيخ إبراهيم.

قال الشبراخيتي أيضا: وإنما صار الجهاد حسنا بواسطة كفر الكافرين، فإن الكافر عدو لله تعالى وللمسلمين: فشرع الجهاد إعداما للكافرين وللفرار إلى الدين الحق، وأما مجرد تعذيب عباد الله


(١) الجامع الكبير السيوطي، رقم ٢٨٠، كنز العمال، رقم الحديث ١١٢٦٠.