فصل: في بيوع الآجال، ومنعت حماية للذريعة بالذال المعجمة أي الوسيلة إلى الشيء، وأصلها عند العرب ما تألفه الناقة الشاردة من الحيوان لتنضبط به، ثم نقلت إلى البيع الجائز المتحيل به على ما لا يجوز، وكذلك غير البيع على الوجه المذكور فهو من مجاز المشابهة، والذرائع ثلاثة: ما أجمِع على إعماله كالمنع من سب الأصنام عند من يعلم أنه يسب الله تعالى لأجل ذلك، وكحفر آبار في طريق المسلمين حيث يعلم وقوعهم فيها، وإلقاء السم في أطعمتهم إذا علم أكلهم منها؛ وما أجمع على إلغائه كالمنع من زرع العنب لأجل الخمر، والتجاور في المساكن خشية الزنى؛ وما اختلف فيه كالنظر للأجنبية، والحديث معها، وبيوع الآجال. ومذهب مالك منعها أي منع بيوع الآجال، والمراد ما اختلف فيه بين العلماء، والنظر للأجنبية أي بغير شهوة، وكذا ما بعده فمالك يجيزه وغيره يمنعه؛ إذ ما بشهوة متفق على منعه. قاله عبد الباقي. وقال الحطاب: ويسميها أهل المذهب بيوع الآجال، قال في التوضيح: وهل كل من البيوع والآجال باق على دلالته أو سلبت دلالة كل واحد وصار المجموع اسما لا ذكره فيه احتمالان والثاني أظهر. انتهى. واعلم بأنه إذا أريد بها مسائل هذا الباب فالاحتمال الثاني متعين، ودليل مالك رضي الله عنه (ما في الموطإ أن بحينة أم ولد لزيد بن أرقم قالت لعائشة رضي الله عنها: يا أم المؤمنين إني بعت من زيد بن أرقم عبدا بثمان مائة إلى العطاء واشتريته بست مائة نقدا، فقالت عائشة رضي الله عنها: بيسما شريت وبيس ما اشتريت. أخبري زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب، قالت: أرأيت إن أخذته برأس مالي؟ قالت عائشة رضي الله عنها:{فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف}. وهذه الصورة محل النزاع بين مالك والشافعي. قال الخرشي: وهذا التغليظ العظيم لا تقوله عائشة إلا عن توقيف لا من طريق قياس، وقول من قال من أصحابنا: لعلها إنما قالت ذلك لوقوع البيع إلى العطاء وهو مجهول ليس بظاهر؛ لأن المنقول عن عائشة جواز البيع إلى العطاء، وضعف بعض الشيوخ هذا الخبر لما فيه من قولها: أبطل جهاده إذ ظاهره إبطال الذنوب للأعمال، وهو خلاف كتاب الله وحديث نبيه عليه الصلاة والسلام، ومذهب أهل السنة. ابن عرفة: بيوع الآجال يطلق مضافا ولقبا، الأول: ما أجِّل ثمنه العين وما أجِّل ثمنه غيرَها سلمٌ، والثاني لقب لتكرر بيع عاقدي الأول ولو