للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما أنهى الكلام على (١) منفعة بعوض فقال:

باب، ذكر فيه الإجارة وكراء الدواب والحمام والدور والأرض وما يتعلق بذلك

والإجارة مأخوذة من الأجر بمعنى الثواب، والمشهور فيها كسر الهمزة: وحكي فيها الضم أيضا، حكاه المبرد، وقد غلب وضع الفِعالة بالكسر للصنائع نحو الخياطة والتجارة، والفعالة بالفتح لأخلاق النفوس الجبلية نحو السماحة والفصاحة، والفعالة بالضم لما يطرح من المحقرات نحو الكناسة والقلامة والفضالة. قاله في المتيطية. والأصل في مشروعيتها قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وقوله، حكاية عن شعيب مع موسى على نبينا وعليهما الصلاة والسلام: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ}، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ فذكر تأجيل الإجارة وسمى عوضها، وقال تعالى في قصة الخضر وموسى: {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا}، وقال تعالى في قسم الصدقات: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}، والعامل أجير يعطي مها أجرة مثله على قدر شخوصه وتعبه، وقال عليه الصلاة والسلام: (من استاجر أجيرا فليعلمه أجره (٢))، وفي حديث آخر (فليؤاجره بأجر معلوم إلى أجل معلوم)، وقال عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة أنا خصمهم رجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره (٣))، الحديث. وهو عقد لازم بالاتفاق عليه، قال ابن المنذر: والإجماع على جواز الإجارة، وشذت طائفة منهم أبو بكر المعزي الأصم إلى منع جواز الإجارة لأنها بيع منافع لا يتوصل إلى قبض جميعها في الحال، كما في قبض الأعيان، فكان جوازها غررا، وهذا خلاف الكتاب والسنة والإجماع فلا يعد مثل هذا خلافا، وعرفها ابن عرفة بقوله: بيع منفعة ما أمكن نقله غير سفينة ولا حيوان لا يعقل، بعوض غير ناشئ عنها بعضه، يتبعض بتبعيضها. قوله: بيع منفعة، أخرج به بيع الذوات؛ وقوله: أمكن نقله، أخرج به كراء الدور والأرضين، فالعقد المتعلق بمنافعهما ليس بإجارة وإنما هو كراء؛ وقوله: ولا حيوان لا يعقل، أخرج به كراء الرواحل؛ وقوله: غير ناشئ عنها، أخرج به


(١) بياض في الأصل.
(٢) البيهقي، ج ٦ ص ١٢٠، الإتحاف، ج ٥ ص ٤٥٩.
(٣) البخاري، كتاب البيوع، رقم الحديث: ٢٢٢٧.