للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل: يذكر فيه حكم صلاة السفر، والمسافة التي تقصر فيها الصلاة، والجمع للصلاتين، وغير ذلك. والسَّفَرُ لغة: قطع المسافة، مأخوذ من الإسفار، ومنه أسفرت المرأة عن وجهها أظهرته، وأسفر الصبح ظهر؛ لأنه لمشقته يسفر عن أخلاق الرجال. قاله الشيخ إبراهيم. وفي القاموس: سفر الصبح يسفر: أشرق كاسفر، والمرأة عن وجهها كشفته؛ فهي سافرة.

واعلم أن الناس قد صنفوا في آداب السفر، وأكثروا وطولوا واقتصروا، ومدار ذلك على أن المسافر تتعين عليه خمسة أشياء. أولها: النظر في حكم سفره فإن كان مباحا أو واجبا أو مندوبا قدم عليه، وإلا فلا. ثانيها: أن يستخير الله تعالى ويستشير فيه أهل المعرفة به ما لم يكن واجبا في الحال فلا استخارة ولا استشارة. الثالث: أن يتعلم ما يلزمه في سفره من أحكام التيمم والقبلة والجمع والقصر ونحو ذلك. الرابع: أن يتخير صديقا صالحا لرفقته إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه ويعزم على إسعافه واتباعه إلا فيما بان غيه. الخامس: أن يستعمل الآداب المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلماء الأمة، وأول ذلك أن لا يخرج من بيته حتى لا يبقى عليه ما يمكنه أداؤه من دين، أو نفقة، أو رد مظلمة، أو غير ذلك؛ إذ لعله لا يرجع، ويوصي فيما لابد له منه، ويترك لأهله كفايتهم قدر وسعه. وإلا فلهم من لا تضيع ودائعه، فيستودع الله صغيرهم وكبيرهم بعزم صحيح: وقلب صادق، عالما أنه أرحم بهم منه، كما وقع للشيخ أبي الفضل حين عزم على الحج، كتب رقعة ودفعها إلى أهله، فقال لهم: الذي كتبت له هذه الرقعة، فلما خرج جاءهم رجل فقرأها وكان يقوم لهم بما يحتاجون حتى كان يوم دخول الشيخ قطع ذلك عنهم، ولا علم لهم به فدخل الشيخ فسألهم عن حالهم فذكروا له الحكاية، فقال هاتوا الورقة فأتوا بها فإذا فيها مكتوب:

إن الذي وجهت وجهي له … هو الذي خلفت في أهلي

فإنه أرفق مني بهم … وفضله أوسع من فضلي