للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بابٌ: ذكر فيه الجعل وما يتعلق به

وأفرده عن الإجارة ببابٍ لاختصاصه ببعض أحكام، قال النووي: الجعل بضم الجيم ما يجعل للعامل عوضا. وقال في التنبيه: الجعالة بفتح الجيم وكسره وضمه ما يجعل في العمل وقال القاضي عياض: الجعل رخصة وهذا أصل منفرد لا يقاس عليه، وهو أن يجعل الرجل للرجل أجرا معلوما ولا ينقده إياه على أن يعمل له في زمن معلوم أو مجهول مما فيه منفعة للجاعل على خلاف في هذا، على أنه إن كمله كان له الجعل وإن لم يتمه فلا شيء له مما لا منفعة فيه للجاعل إلا بعد تمامه، وقد أنكر هذا العقد جماعة من العلماء، ورأوا أنه من الغرر والخطر، والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}. مع العمل به من كافة المسلمين، وقوله: عليه الصلاة والسلام يوم حنين: (من قتل قتيلا فله سلبه (١)). قال ابن عرفة: وهو رخصة اتفاقا. اهـ. وتمسك غير واحد من أشياخ المذهب في جوازه بقضية الرهط مع الحي الذي لدغ سيدهم، وقضية الرهط ما رواه أبو سعيد الخدري (أنه قال: انطلق رهط من أصحاب المصطفى صلى اللَّه عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من العرب فاستضافوهم فلم يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء فلم ينفعه، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا عندنا لعل أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم فقالوا: إن سيدنا لدغ وقد سعينا له بكل شيء فلم ينفعه شيء، فهل عند أحدٍ منكم شيء؟ فقال بعضهم: نعم واللَّه إني لأرقي ولكن قد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق حتى تجعلوا لي جعلا فصالحوه على قطيع من الغنم، قيل: ثلاثون، فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد للَّه فكأنما نشط من عقال يمشي وما به قَلَبَة، فأوفوهم جعلهم (٢)). الحديث. وأيضا فإن الضرورة تدعو إلى ذلك أشد مما تدعو إلى القراض والمساقاة، وقد مضى عمل المسلمين على ذلك في سائر الأقطار على قديم الأوقات والأعصار، وقوله: قلبة بالباء الموحدة بعد اللام أي ألم أو علة، وتنظير ابن عرفة في الاستدلال بالحديث يرده قوله في الحديث: حتى تجعلوا لي جعلا، وقد بحث في تنظيره ابن ناجي، وحَدَّ ابن عرفة حقيقته العرفية بقوله عقد معاوضة على عمل آدمي بعوض غير ناشئ


(١) صحيح البخاري، كتاب فرض الخمس، رقم الحديث ٣١٤٢.
(٢) البخاري، كتاب الإجارة، رقم الحديث رقم الحديث ٢٢٧٦.