للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كقوله تعالى {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} وذلك لا ينافي الغنى ويحتمل أن تكون مستأجرة لهم ويحتمل أنهم سموا مساكين على جهة الرحمة والاستعطاف وقوله وهو أحوج هو المشهور وعليه فالمشهور أن الفرق بينهما شدة الحاجة كما مر وقيل إن الفقير يسأل بخلاف المسكين وقيل الفقير يعلم به فيتصدق عليه بخلاف المسكين ومقابل المشهور أن المسكين والفقير مترادفان واستدل له بقوله تعالى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ}، وتقدم الجواب عن ذلك، وقوله: "أحوج"، فيه صوغ أفعل التفضيل من الخماسي.

سؤال عمن قبض زكاة بعض أصحابه لبعض المساكين ولم يعينه ونيته دفعها لعجوز كبيرة السن عاجزة عن التصرف، وكان يجري عليها النفقة من تلك الزكاة حتى ماتت وكفنها، وفضلت من تلك الزكاة فضلة وليس لها وارث حاضر إلا عصبة غيب، فهل تعطى تلك الفضلة للمساكين حين لم تقبض الزكاة ولا أعلمها القابض، أو ذلك لعصبتها؟ جوابه مقتضى ما أفتى به ابن رشد عياضا أن ذلك موروث عنها فيوقف لورثتها ويبحث عنهم، فإذا لم يظهر لهم خبر بعد البحث والاستيناء يتصدق به عنهم، والذي أفتى به ابن رشد عياضا هو عن سؤال له عمن أخرج مالا لصدقة فعزل منه شيئا، سماه بلسانه وميزه لمسكين معين، ثم بعد ذلك بداله فصرفه لمسكين آخر، هل يباح له ذلك أم لا؟ وهل يستوي في هذا ما أخرجه الإنسان على هذا الوجه من ماله وما ميزه لمسكين من صدقة غيره على يده؟ فأجاب ابن رشد: فإذا كان الرجل عزل من المال الذي أخرجه للصدقة شيئا لمسكين بعينه وبتله له بقول أو نية، فلا يجوز له صرفه إلى غيره وهو ضامن له إن فعل ذلك ويغرم، وإن لم يبتله له بقول ولا نية كره له صرفه إلى غيره. والله سبحانه أعلم، ونقل ابن هلال غير صحيح.

واعلم أن اللام في قوله عز وجل: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} للاستحقاق، وهو لا يقتضي تعميم الأصناف الثمانية، وعند الإمام الشافعي أنها للملك فيلزم تعميم الأصناف، فإذا أعطى عنده من كل صنف ثلاثة أجزأت الزكاة، واحتج أهل الذهب بأن آية الصدقة ليس فيها قسم بل هي إعلام بأهلها، ولذلك لو لم يوجد إلا صنف واحد أعطيها. واعلم أنه إذا لم يوجد إلا صنف واحد