صَاغِرُونَ (٢٩)} ويبحث في هذا الفصل عن خمسة أشياء: العقد، والعاقد، والمعقود معه، والكان الذي يسكنه الذمي، والمال الذي يلتزم أداءه.
وبدأ بالأولين فقال: عقد الجزية إذن الإمام: يعني أن العقد للجزية هو أن يأذن الإمام ممن سيذكره من الكفار أن يسكن بحيث تنالهم أحكامنا على ما سيذكر بعد إن شاء الله تعالى، وإضافة العقد للجزية صحيحة وهي بمعنى اللام، وأشار إلى الثالث بقوله: كافر؛ يعني أنه يعقد الجزية على الكفار أي يلزمها لهم إذن الإمام لهم في سكنى غير مكة الخ. قال الشيخ عبد الباقي وغيره: فتؤخذ منهم الجزية ولو كانوا قريشا على الراجح، وما للشارح أنه لا تؤخذ منهم، طريقة كما في التتائي. انتهى. قال الشيخ محمد بن الحسن: قوله: فتوخذ منهم؛ أي لأنه المشهور عند ابن الحاجب، وقال المازري: إنه ظاهر المذهب وهو مقتضى إطلاق المص، وهذه طريقة، ولابن رشد طريقة أخرى لا تؤخذ منهم إجماعا، إما لمكانتهم أي قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لابن الجهم، وإما لأن قريشا أسلموا كلهم كما للقزويني، فمن وجد منهم كافرا فمرتد. المازري: وإن ثبتت الردة فلا يختلف في عدم أخذها منهم، وقوله:"لكافر"؛ أي لكل كافر؛ لأن النكرة في سياق الإثبات قد تعم نحو:{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ}، قاله غير واحد. ونظر فيه الشيخ بناني، وقال: الصواب أنه مطلق لا عام لاقتضاء العموم أنه لا يحصل بالإذن لبعضهم وليس كذلك.
صح سباؤه، بالمد أي أسره، واحترز المص بالإمام من غيره فلا يصح عقدها بغير إذنه، لكن يمنع من القتل والأسر، ويجب على الإمام إذا بذلوه ورآه مصلحة إمضاؤه إلا أن يخاف غائلتهم، وأتى بقوله:"كافر"، توطئة لقوله:"صح سباؤه"، وأخرج بقوله:"صح سباؤه" المرتد، فلا يقر على ردته، والمعاهد قبل انقضاء عهده ولو طال مقامه عندنا، فلا يصح سباؤه إلا أن يضربها الإمام عليه حين يريد الإقامة فيصير من أهلها، وليس له حينئذ الرجوع على أحد قولين في ابن الحاجب، قال الشيخ عبد الباقي: ومحلهما بعد الوقوع، وأما ابتداء فلا يجوز ضربها عليه لدخوله بأمان كما في العجماوي وابن مرزوق. انتهى. قال الشيخ محمد بن الحسن: فيه نظر، بل ظاهر كلام ابن الحاجب جوازه ابتداء، ونصه: فلو قدم حربي فأراد الإقامة نظر السلطان، فإن