عليه وسلم فقال يا رسول الله أحق ما يدعونني به، فإنهم يدعونني بالإمام فقال صلى الله عليه وسلم "وسع الله صدرك للفتيا" كان ءآخر المشتغلين من شيوخ افريقية بتحقيق الفقه المعروفين بدقة النظر ورتبة الاجتهاد، أخذ عن اللخمي وعبد الحميد وغيرهما من شيوخ افريقية، وظهرت براعته وتصدره وسعة اطلاعه في صغره حتى كان القاضي يقرأ عليه ويعتمد عليه في فتواه وهو ابن عشرين سنة، ونقل عنه البرزلي أنه قال كنت يوما بين يدي إمامي وأنا مراهق فجاء الخبر أن ذلك اليوم من رمضان وبات الناس على غير الصيام فقلت لا يقضى هذا اليوم على مذهب بعض أصحاب مالك في رواية شاذة فأخذ بأذني أستاذي وقال لي إن قرأت العلم على هذا فلا تقرأه، إن اتبعت بنيات الطريق جاء منك زنديق ولقد صدق القائل:
إن الهلال إذا رأيت نموه … أيقنت أن سيكون بدرا كاملا
وقد صار الإمام المازري إلى درجة من العلم لم يصل إليها غيره في زمنه، ودرس أصول الدين وأصول الفقه وفروعه ولم يكن للمالكية في وقته في أقطار الأرض أفقه منه، وسمع الحديث وطلب معانيه واطلع على علوم كثيرة كالطب والحساب والأدب، وكان يفزع إليه في الطب كما يفزع إليه في الفقه، ويحكى أن سبب اشتغاله به أنه مرض فكان يطبه يهودي فقال له اليهودي يوما يا سيدتي مثلي يطب مثلكم وأي قربة أجدها أتقرب بها في ديني مثل أن أفقدكم للمسلمين، فمن حينئذ اشتغل بالطب. وكان رحمه الله حسن الخلق مليح المجلس أنيسه كثير الحكايات وإنشاد قطع الشعر وكان قلمه بالعلوم أبلغ من لسانه، وألف في الفقه والأصول وشرح صحيح مسلم وسمى شرحه بالمعلم. وشرح التلقين شرحا ليس للمالكية مثله، وشرح البرهان لإمام الحرمين وسمى شرحه المحصول من برهان الأصول وهو شاهد له بغاية الذكاء والتضلع من علم الأصول لأن البرهان أصعب كتب الأصول، وألف نظم الفوائد في علم العقائد. وممن أخذ عنه بالإجازة أبو الفضل عياض وعلى المعلم أسس عياض شرحه لمسلم المسمى بإكمال العلم: وهو كتاب عظيم الجدوى كثير الفوائد، فألف بعد ذلك إكمال الإكمال ثلاثة أولهم: عبد الله محمد بن إبراهيم البقوري نسبة إلى بقور بباء موحدة مفتوحة وقاف مشددة مضمومة وواو وراء مهملة بلد بالأندلس،