وتظاهرت الأحاديث بأن أرواح المؤمنين تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش، تعلق من شجر الجنة؛ أي تأكل، وحديث: في حواصل طير خضر، صححه مسلم في أرواح الشهداء فقط.
واعلم أن فتنة القبر، وهي سؤال الملكين بإجماع العلماء وعذابه ونعيمه حق، قاله ابن عرفة. وفي الخرشي: أن أول ميت: آدم عليه السلام، وأول من تمنى الموت: يوسف عليه السلام، وأول من جمع الناس في صلاة الجنازة على أربع تكبيرات، عمر رضي الله عنه، وأول من دفن بالبقيع: عثمان بن مظعون، وأول من دفن في جوف داره: الأشعث بن قيس، وأول ما ينتن من الإنسان إذا مات: بطنه، وأول من نقل من قبر إلى قبر: علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقيل: إن قابيل قتل هابيل في حياة آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
الثاني: روى أبو الليث السمرقندي بسنده عن البراء بن عازب أنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر -ولم يلحد بعد- فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلسنا حوله -كأنا على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به في الأرض، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، وقال: استعيذوا بالته من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا، ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا، نزلت عليه ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت فيجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل من جسده كما يسيل القطر من السقاء، فيأخذها، فلا يدعونها في يده طرفة عين حتى يأخذونها فيجعلونها في ذلك الكفن والحنوط، فيخرج مها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون على ملإ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الريح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه، حتى ينتهى بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون لها فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهى به إلى السماء السابعة، فيقول الله تبارك وتعالى: اكتبوا كتابه في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى،