للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للترتيب الواقع لأنه سبحانه وتعالى أرسل الملك بالكتب إلى الرسل وليس فيه متمسك لمن فضل الملك على الرسول، وليس المراد بمخاطبة الأفراد اختصاصه بذلك بل المراد تعليم السامعين الحكم في حقهم وحق من أشبههم من المكلفين، وقد تبين لك ذلك بقوله أتاكم يعلمكم دينكم. وقوله: "الإحسان" مصدر أحسن يحسن يتعدى بنفسه وبغيره تقول أحسنت كذا إذا أتقنته، وأحسنت إلى فلان إذا أوصلت إليه النفع والأول هو المراد لأن المقصود هو إتقان العبادة، وقد يلاحظ الثاني لأن المخلص مثلا يحسن بإخلاصه إلى نفسه وإحسان العبادة الإخلاص فيها والخشوع وفراغ البال حال التلبس بها ومراقبة المعبود، وأشار في هذا الجواب إلى حالتين أرفعهما أن تغلب عليه مشاهدة الحق بقلبه حتى كأنه يراه بعينه وهو قوله: "كأنك تراه" أي وهو يراك، والثانية أن يستحضر أن الحق مطلع عليه يرى كل ما يعمل وهو قوله: "فإنه يراك"، وهاتان الحالتان تثمرهما معرفة الله تعالى وخشيته وقوله: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل" هذا وإن كان مشعرا بالتساوي في العلم لكن المراد التساوي في العلم بأن الله سبحانه استأثر بعلمها. النووي يستنبط منه أن العالم إذا سئل عما لا يعلم يصرح بأنه لا يعلمه ولا يكون في ذلك نقص من مرتبته بل يكون دليلا على مزيد ورعه. وقوله: "أن تلد الأمة ربتها" المراد كثرة العقوق في الأولاد فيعامل [الولد] (١) أمه معاملة السيد أمته من الإهانة والسب والضرب والاستخدام، وقيل المراد اتخاذ السراري فمن أولد أمة كان ولده منها بمنزلة ربها لأنه ولد سيدها، وقيل المراد كثرة السبي فقد يسبى الولد أولا وهو صغير ثم يعتق ويكبر ويصير رئيسا بل ملكا ثم تسبى أمه فيما بعد فيشتريها عارفا بها أو هو لا يشعر أنها أمه فيستخدمها أو يتخذها موطوءة، وقد جاء في بعض الروايات [أن تلد الأمة بعلها] (٢) فحمل على هذه الصورة، وقوله: "وأن ترى الحفاة" الخ المقصود الإخبار عن تبدل الحال بأن يستولي أهل البادية على الأمر ويملكوا البلاد بالقهر فتكثر أموالهم وتنصرف هممهم إلى تشييد البنيان والتفاخر به. وقوله: "يتطاولون" التطاول في البنيان التفاخر فيه ويدل


(١) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من نسخة مهيمن.
(٢) فتح الباري، كتاب الإيمان، ج ١ ص ٢٢ - عياض، كتاب الإيمان، ج ١ ص ٢٠٥.