الأولى لما اقتضاه النذر من الوجوب احتياطا لبراءة الذمة، ولما لم يعارض الكراهة ما هو أقوى منها غلبت عليه، فقلنا: لا يصام تطوعا إعمالا للجهتين، ولا يقال: إعمال الجهتين باطل من أصلة؛ لأن حديث زمعة دليل على حجة (١) القول به، وأما نذر سنة لا يجب تتابعها، فقد مر أنه لا يصام فيها رابع النحر، ومما يجب فيه التتابع كفارة الظهار فيصام فيها رابع النحر.
واعلم أن في صوم رابع النحر ثلاثة أقوال: الكراهة إلا لمن نذره أو كان في صيام متتابع قبل ذلك وهذا هو المشهور، وقيل بإباحته، وقيل بتحريمه. انظر الحطاب.، لا سابقيه؛ يعني أن سابقي رابع النحر، وهما اليومان اللذان بعد يوم النحر، إذا نذرهما أحد، فإنه لا يلزمه أن يصومهما بل يحرم، والمصنف نفى الوجوب، وهو لا يستلزم نفي الجواز. إلا المتمتع؛ يعني أن المتمتع إذا لم يجد هديا، أو القارن، أو من لزمه هدي لنقص في شعائر الحج ولم يجد هديا، فإنه يصوم اليومين اللذين بعد يوم النحر، والاستثناء منفصل لأن الحكم السابق في الناذر، وهذا في غير الناذر، والفدية مثل الهدي، وكلام التتائي يفيد أن جزاء الصيد كذلك، وكلام غيره يفيد أنه ليس كذلك. وقوله:"لا سابقيه" اعلم أن صومهما يحرم لغير المتمتع الذي لا يجد هديا على المشهور، وقيل: يكره، قال الحطاب: قال الشبيبي: واختلف في اليومين اللذين بعد يوم النحر لغير المتمتع الذي لا يجد هديا، أو من كان في معناه، فيمنع على المشهور من المذهب. انتهى. ثم قال: صح عنه في صيام اليومين اللذين بعد يوم النحر لغير المتمتع، وشبهه قولان: الكراهة والتحريم. انتهى.
لا تتابع سنة؛ يعني أن الشخص إذا نذر صوم سنة مبهمة، كقوله: لله تعالى علي صوم سنة، فإنه لا يلزمه تتابعها، فقوله فيما مر:"وابتداء سنة"، يعني مع ذلك أنه لا يلزمه تتابعها، أو شهر؛ يعني أن الشخص إذا نذر صوم شهر مبهم، كقوله: لله تعالى علي صوم شهر فإنه لا يلزمه تتابعه، أو أيام؛ يعني أن الشخص إذا نذر صوم أيام مبهمة، كقوله: لله تعالى علي صوم ثلاثة أيام، فإنه لا يلزمه تتابعها، وأما غير المبهم من ذلك فيلزم تتابعه، كلله تعالى علي صوم هذه السنة، أو هذا الشهر، أو الأيام السبعة الأول من المحرم، فالأيام إن عينها متتابعة لزمه تتابعها وإلا فلا، كما لو قال: لله علي صوم ستة أيام من المحرم، وقوله:"لا تتابع سنة أو شهر أو أيام"