واعلم أنه اختلف في النضح، فقيل يجب كما قال المص، وقيل يسن، وقيل يستحب. ففي حاشية الشيخ محمد بن الحسن أنه كما ورد الأمر من الشارع بالنضح هنا، ورد بغسل النجاسة المحققة، وكما أنه اختلف في إزالة النجاسة المحققة، اختلف هنا أيضا هل المشهور في النضح الوجوب أو السنة؟ ونقل عن عبد الوهاب أن النضح مستحب واستحسنه اللخمي، ولما كان للنضح معنيان بين المراد منهما فقال: وهو رش يعني أن النضح -ولا يكون إلا بالمطلق- هو أن يرش الموضع الذي شك في إصابة النجاسة المحققة له باليد، أو بالمطر أو بالفم حيث تحققت طهورية ما فيه، رشة واحدة، ولو لم يتحقق عمومها ظاهرا أو باطنا لا فيهما إلا إن شك فيهما بلا نية متعلق بنضحه من قوله:"وجب نضحه"، يعني أنه إذا حصل الرش في المحل المشكوك في إصابة النجاسة له فإن ذلك كاف، ولو لم ينو النضح المذكور، وما ذكره المص من أن النضح لا يفتقر لنية هو ظاهر المذهب، وعزاه ابن عرفة لابن محرز، وقيل يفتقر لنية، قال ابن بشير وابن شأس والقولان للمتأخرين، وفي الحطاب بعد جلب نقول: فتحصل في ذلك ثلاثة أقوال: وجوب النضح واستحبابه، ووجوب الغسل، وعلى الأول مشى المص لقول سند إنه ظاهر المذهب، ودليله أمره عليه الصلاة والسلام في حديث الصحيحين بنضح الحصير الذي اسوَدَّ من طول ما لبس (١)، وقول عمر رضي الله عنه: أغسل ما رأيت، وأنضح ما لم أو. قال مالك في المدونة مستدلا على ثبوت النضح بعمل الصحابة والتابعين: وهو من أمر الناس فلو نام في ثوبه ورأى بللا في جهة منه وشك في الأخرى هل أصابها شيء أم لا؟ فإنه يغسل ما رأى وينضح ما لم ير، وفي الحطاب أن صاحب النوادر قال بعد ذكره النضح للشك: وكذلك إن ظن في ثوبه نجاسة فليرشه. انتهى. قال يعني الحطاب: وهذا والله أعلم، لأنه لم يعول في أمر النجاسة إلا على التحقق فأجاز الصلاة بالنعال التى يُمشَى بها في الطرقات، وفي موضع قضاء الحاجة ونحو ذلك، وقال الشيخ أبو حامد: والمزيل للوسواس أن يعلم أن الأشياء خلقت طاهرة بيقين، فما لا يشاهد عليه نجاسة ولا يعلمها يقينا يصلي به اللهم إلا أن يغلب على الظن وصول النجاسة غلبة تشبه اليقين، فالظاهر وجوب
(١) البخاري في الجامع الصحيح، كتاب الصلاة، رقم الحديث: ٣٨٠. - مسلم، كتاب المساجد، رقم الحديث: ٦٥٨.