للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينسج مع الأمراء المعاصرين له، والمتواصلين معه علاقة تحْفَظ له هيبته الشخصية، ومكانته العلمية، وتوجد له من المكانة والوجاهة لدى هؤلاء ما يؤهله للقيام بمهمته وتأدية أمانته جامعا بين حاجات الدنيا ومصالح الدين، مبتغيا وجه الله تعالى، والدار الآخرة، غير غافل عن نصيبه من الدنيا، محسنا كما أحسن الله إليه، ساعيا إلى كبح جماح من يبغون في الأرض الفساد. وظلت علاقته مبتوتة مع البغاة والمفسدين في الأرض، موصولة الحبل مع أمراء العدل والساعين إلى الإصلاح ممن يستشيرون أهل العلم: ويسعون إلى الانتفاع بما عندهمَ" (١).

ومن أمثلة هذه الصلة المبنية على التقدير والإجلال: أن الأمير محمد الحبيب سأل محمد بن محمد سالم عن الأفضل له أن يشتغل به في هذه الحياة الدنيا.

فقال له الشيخ محمد: هل تسأل عن الأفضل بالنسبة لك أم بالنسبة "للزوايا"؟ فقال له الأمير لا أسأل إلا عن الأفضل بالنسبة لي، فقد اختلف قول بعض العلماء في ذلك، فقلت لهم إني لا أعمل إلا بقولك. فأجابه الشيخ محمد: "الأفضل لك أن تعتزل الناس وتبقى على رأس جبل حتى يأتيك الأجل". وحدث أن اشتكى أحد رعية الأمير لمحمد بن محمد سالم في ظلم تعرض له، فخاطب فيه الشيخ الأمير، فأمنه ورد عنه الظلم، وقال الأمير للشيخ: أنت تأمرني باعتزال الناس وترْكِ ما أنا عليه، وتطالبني برد الظالم (٢).

ومنها كذلك ما وقع له مع أمير آدْرَارْ أحمد بن امحمد المعروف بإقامة العدل ونشر السلم، حيث هم الشيخ محمد بأداء الحج، وفي ذهابه تعطيل لعطاء علمي متميز: وإيقاف لمساهمة كبيرة في تدعيم السلم الاجتماعي عن طريق الإفتاء، والتوجيه والإرشاد؛ فلما عزم على السفر طلب منه الأمير أن يقيم له أياما ينتظره ليرافقه إلى الحج، فقال الشيخ محمد: "أستعيذ بالله تعالى أن أكون سببا في ذهاب الأمير أحمد عن هذه البلاد"، فما كان من الشيخ إلا أن ترك الحج تلك السنة.


(١) أحمدُ بن الراظي، تحقيق كتاب النهر الجاري على صحيح البخاري، لمؤلفه الشيخ محمد بن محمد سالم، أطروحة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة ابن طفيل، المغرب، ٢٠٠٦: ص ٣ (بحث مكتوب على الآلة)
(٢) تأليف بلاهي، م. س. ذ، (مخطوط)

<<  <  ج: ص:  >  >>