ثم يدعون ربهم ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون فلا يجيبهم مقدار ما كانت الدنيا مرتين، ثم يرد عليهم اخسئوا فيها ولا تكلمون، قال فوالله ما نفث القوم بعدها بكلمة يعني ما نطق القوم ما كان بعد ذلك إلا الزفير والشهيق في النار تشبه أصواتهم بأصوات الحمير أوله زفير وآخره شهيق.
ويقال: إن أهل النار يجزعون ألف سنة ثم يقولون كنا في الدنيا إذا صبرنا كان لنا الفرج فيصبرون ألف سنة فلا يخفف عنهم، فيقولون: سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص؟ فيدعون الله تعالى ألف سنة الغيث لما بهم من العطش وشدة العذاب لكي يزول عنهم بعض الحرارة والعطش، فإذا تضرعوا ألف سنة يقول الله تعالى لجبريل؛ أي شيء يطلبون؟ فيقول جبريل عليه الصلاة والسلام: يا رب أنت أعلم بهم إنهم يسئلون الغيث فتظهر لهم سحابة حمراء فيظنون أنهم يمطرون، فترسل عليهم العقارب كأمثال البغال فتلدغ واحدا منهم فلا يذهب عنه الوجع ألف سنة ثم يسئلون الله تعالى ألف سنة أن يرزقهم الغيث، فتظهر لهم سحابة سوداء فيقولون هذا سحاب المطر فيرسل عليهم حيات كأعناق الإبل كلما لسعت لسعة لا يذهب وجعها ألف سنة، وهذا معنى قوله تعالى:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} و {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} يعني بما كانوا يكفرون ويعصون الله تعالى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(دعا الله تعالى جبريل وأرسله إلى الجنة، فقال: انظر إليها وما أعددت لأهلها فيها فرجع وقال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها فحفت بالمكاره، فقال ارجع إليها فانظر إليها فرجع، وقال: وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد ثم أرسله إلى النار، فقال: انظر إليها وما أعددت لأهلها فيها فرجع وقال: وعزتك وجلالك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد فحفت بالشهوات، فقال: عد إليها وانظر إليها فرجع فقال: وعزتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها (١)).
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اذكروا من النار ما شئتم فلا تذكرون منها شيئا إلا وهي أشد منه وروى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك أنه قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ساعة ما كان يأتيه فيها متغير اللون، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما لي أراك
(١) سنن الترمذي، كتاب صفة الجنة، رقم الحديث، ٢٥٦٠.