لا قل يعني أنه لا يمنع البيع الذي قل قصد باطنه الممنوع، والمعطوف بلا محذوف؛ أي ما قل القصد إليه، فلا هنا عطفت مفردا على مفرد قال الحطاب: لما كان مفهوم قوله: كثر قصده، أن ما قل قصده لا يمنع، وكان ذلك مختلفا فيه ومنقسما إلى قسمين، أحدهما أضعف من الآخر، وكان الحكم فيهما واحدا على المشهور، نبه على ذلك بقوله: لا قل؛ أي القصد إليه وهو على قسمين؛ لأنه إما أن يكون القصد إليه بعيدا جدا أو لا يكون بعيدا جدا، فالثاني كالمؤدي إلى ضمان بجعل، مثاله أن يبيع ثوبين بعشرة دراهم إلى شهر، ثم يشتري منه عند الأجل أو قبله ثوبا بالعشرة، فئال أمره إلى أنه دفع له ثوبين ليضمن له أحدهما بالآخر إلى شهر، وحكى ابن بشير وابن شأس في ذلك قولين مشهورين، وحكى ابن الحاجب القولين من غير تشهير، إلا أنه قال في التوضيح: ظاهر المذهب الجواز لبعده، واقتصر في هذا المختصر عليه، ولا خلاف في منع صريح ضمان بجعل؛ لأن الشرع جعل الضمان والقرض والجاه لا تفعل إلا لله بغير عوض، فأخذ العوض عليه سحت قاله في التوضيح. ابن بشير: ينبغي أن الخلاف خلاف في الحال، فمتى ظهر القصد منع ومتى لم يظهر جاز. انتهى. ومثل: للبعيد جدا بقوله:
أو أسلفني وأسلفَكَ؛ يعني أن ما أدى إلى أسلفني وأسلفك لا يمنع؛ لأن القصد إلى ذلك بعيد جدا، مثال ذلك أن يبيع ثوبا بدينارين إلى شهر ثم يشتريه بدينار نقدا ودينار إلى شهرين، فالسلعة قد رجعت إلى صاحبها ودفع الآن دينارا، ويأخذ بعد شهر دينارين أحدهما عوض عما كان أعطاه، والثاني كانه أسلفه له ليرده بعد شهر. انتهى. أي فالدينار النقد يقدر سلفا يأخذ عنه دينارا وأسلفه الآخر الدينار الثاني، ويدفع له عنه الدينار المؤجل بشهرين. والله سبحانه أعلم. وقوله: أسلفني وأسلفك بف تح همزة الأول وضم همزة الثاني لأنه مضارع والأول أمر، والمضارع منصوب بأن مضمرة بعد الواو في جواب الأمر. وقد علمت أن المشهور جواز ما أدى إلى أسلفني وأسلفك، والشاذ لابن الماجشون اعتبار هذا فيمنع ما أدى إليه، ولا خلاف في المنع من أن يسلف إنسان شخصا [ليسلف](١)، واستبعد ابن عبد السلام أن يكون هذا أضعف مما قبله،