للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انتهى. ولما ذكر أبو الحسن الحديث قال: حمل الشافعي الافتراق في الحديث على الافتراق بالأبدان، ومذهب مالك أنه محمول على الافتراق باللفظ. وقال ابن الجلاب: خيار المجلس باطل، ونقل ابن يونس عن أشهب أن الحديث منسوخ، وقال أبو علي: قال ابن يونس: والبيع على الخيار جائز، وهو أن يقول: أشتري منك هذا الشيء وأنا وأنت فيه بالخيار إلى وقت كذا، دليله حديث الموطإ قوله صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يفترقا إلَّا بيع الخيار (١))؛ فأخبر أن من البيع ما فيه خيار، وروي: إلَّا أن يكون صفقته صفقة خيار. ولما لم يكن في الحديث المذكور فيه أن البيعين بالخيار ما لم يفترقا حَدٌّ مؤقت من وقت الافتراق ينتهيان إليه مع احتماله الافتراق باللفظ في اللغة لم يجب أن يفرق بين عقد البيع وسائر العقود اللازمة باللفظ دون التفرق إلَّا بالبيان من السنة. وقد قال سبحانه: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ}، وهذا الافتراق بالكلام. والمتساومان يقع عليهما اسم المتبايعين، كما قال عليه السلام: (لا يبع بعضكم على بيع بعض (٢))، فسمى المساومة بيعا، فاحتمل أن يكون معنى قوله عليه السلام: المتبايعان بالخيار يعني المتساومين، ودل على أن البيع ينعقد باللفظ قوله عليه السلام: (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه (٣))؛ لأنه لو كان فيه خيار لغيره لم يبح للمبتاع بيعه، والصرف بيع، ولا خيار فيه لقوله عليه السلام: إلَّا هاء وهاء، ومن المدونة قال مالك رحمه الله: فإذا انعقد البيع فلا خيار لواحد من المتبايعين إلَّا أن يشترطاه. انتهى المراد منه.

تنبيه: مسألة عدم العمل بخيار المجلس إحدى المسائل الثلاث التي حلف عبد الحميد الصائغ بالمشي إلى مكة لا يفتي فيها بقول مالك، الثانية: التدمية البيضاء؛ أي قول الميت: دمي عند فلان، ولم يكن بالميت أثر جرح ونحوه، قال الإمام: إنها لوث، توجب القسامة. الثالثة: جنسية القمح والشعير. ونظمها بعضهم فقال:


(١) الموطأ، ج ٢ ص ٤٢٤.
(٢) مسلم، كتاب البيوع، رقم الحديث ١٥١٥. البخاري، كتاب البيوع، رقم الحديث ٢١٣٩.
(٣) الموطأ، ج ١ ص ٤٠٦، البخاري، كتاب البيوع، رقم الحديث ٢١٢٦. مسلم، كتاب البيوع، رقم الحديث ١٥٢٦.