وجاز البيع قبل القبض، قال الخرشي: يعني أنه يجوز بيع كل شيء قبل قبضه لخبر: من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه. فمفهومه أن غير الطعام يجوز بيعه قبل قبضه، فيخص به عموم خبر زيد بن ثابت:(نهى النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن تباع السلع حيث يبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم)(١). ثم استثنى ما ورد الحديث بمنعه بقوله: إلا مطلق طعام المعاوضة، يعني أن مطلق الطعام ربويا كان أو غيره كالفواكه المأخوذة بمعاوضة يحرم بيعه قبل أن يستوفيه، وإنما قدرنا كل شيء بدليل الاستثناء، لأنه من معيار العموم. انتهى كلام الخرشي. وقال الحطاب: يعني أن من ملك شيئا بوجه من الوجوه يجوز له أن يبيعه قبل أن يقبضه إلا مطلق الطعام، أي سواء كان ربويا أو غير ربوي المأخوذ بمعاوضة. وفي المدونة: وما ابتعت من الطعام بعينه أو بغير عينه كيلا أو وزنا فلا تواعد فيه أحدا قبل قبضه، وقبض الوكيل كقبض موكله، فيجوز له المبيع به. وقال عبد الباقي: وجاز لمشتر وموهوب شيئا المبيع قبل القبض له من بائعه وواهبه إلا مطلق طعام المعاوضة في مقابلة شيء، وأراد بمطلقه ربويا كقمح وشعير، وغيره كتفاح ورمان وكل فاكهة، فيمنع بيعه قبل قبضه، وضابط منع بيع الطعام قبل قبضه أن يتوالى فيه عقدتا بيع لم يتخللهما قبض. انتهى. وقال بناني عند قوله: إلا مطلق طعام المعاوضة ما نصه: ورد النهي عن ذلك في الموطأ والبخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يكتاله. قال في التوضيح: والصحيح عند أهل المذهب أن منع بيع الطعام قبل قبضه متعبد به، وقيل: معقول المعنى لأن أهل العينة كانوا يتوصلون إلى الفساد ببيعه قبل قبضه، فنهي عن ذلك سدا للذريعة، وقيل: لكون الشارع له غرض في ظهوره، فلو أجيز لباعه أهل الأموال بعضهم من بعض من غير ظهور، بخلاف ما إذا منع من ذلك، فإنه ينتفع به الكيال والحمال ويظهر للفقراء، وتقْوَى به قلوب الناس، سيما في زمن مسغبة أو شدة.