ينصب نفسه للعمل للناس فلا ضمان عليه فيما استعمل إياه أسلم إليه أو عمله في منزل رب المتاع، وأشار للشرط الثاني والثالث بقوله:
وغاب عليها؛ يعني أنه يشترط في ضمان الصانع أيضا أن يغيب عليها أي على الذات أو الأشياء المصنوعة، ولو قال: عليه، كان أولى، والمراد غاب عليها في بيت نفسه، قال الإمام الحطاب: قوله: وغاب عليها، يريد في بيته، فشمل شرطين، الأول: أن لا يكون عمله في بيت رب السلعة، وإن كان في بيته فلا ضمان عليه جلس معه ربها أم لا عمل بأجر أم لا، الثاني: ألا يكون ربه مُلازمَه وإلا فلا ضمان عليه. قاله في التوضيح. انتهى. وقال الشبراخيتي: والشروط الثلاثة مأخوذة من كلامه الأول أن ينصب نفسه على العموم لا لناس مخصوصين. الثاني: أن يغيب عليها. الثالث: أن يكون في بيت نفسه فإنَّ عمَلَها في بيت ربها كفعله بحضوره. انتهى. وقال عبد الباقي: فإن صنعها ببيت ربها ولو بغير حضوره أو بحضوره لم يضمن ما نشأ عن غير فعله، كتلفه بنار أو مطر أو غصب أو سرقة بغير تفريط، لا إن فرط كإن نشأ عن فعله قطع ثوب أو خرقهُ من كَمْدِه بحضرة ربه فيضمن عند ابن رشد وهو المعتمد، خلافا لشيخه ابن دحون في عدم ضمان ما صنع بحضرته مطلقا، وبقي عليه شرطان آخران وهما: أن لا يكون في الصنعة تغرير كما مر تفصيله، وأن يكون مما يغاب عليه، وهذا غير قوله: وغاب عليه، كما لا يخفى، وأما لو دفع شخص غلامه لمن يعلمه وقد نصب نفسه لذلك وادعى هروبه فلا ضمان عليه كما يفيده البرزلي، كما في أحمد.
تنبيه: قال مقيد هذا الشرح عفا الله عنه: قد مر عن الحطاب والشبراخيتي أن قوله: أو غاب عليها بأن يعملها في بيت نفسه وأن لا يكون ربها حاضرا، وأحسن من ذلك عبارة عبد الباقي: بأن صنعها بغير بيت ربها وبغير حضوره؛ لأن كلام عبد الباقي يفيد أنه إذا غاب عليها وقد عملها في غير بيت ربها يضمن، سواء عملها في بيت نفسه أو بالسوق مثلا وهو كذلك، ونحو عبارة عبد الباقي للخرشي، والدليل على أن الصانع يضمن إذا عملها في غير بيت نفسه كالسوق مثلا مما هو غير بيت رب الشيء المصنوع قول المص: وإن ببيته، وقول اللخمي: المنتصب من أقام نفسه لعمل الصنعة التي استعمل فيها كان بسوقها أو داره. انتهى.