للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثالث وهو التغلب وعظم الشوكة، ولا تجوز منازعته لارتكاب أخف الضررين، ولا يشترط فيه إذ ذاك شرط من الشروط، ودليل هذا الوجه ما قاله الشيخ محيي المدين النووي في منهاجه في قوله صلى الله عليه وسلم: (اسمع وأطع وإن كان عبدا (١)) قال: تتصور إمامة العبد إذا ولاه بعض الأئمة وتغلب على البلاد بشوكته وأتباعه فيسمع له ويطاع، وقال ابن العربي في الحديث (وأن لا تنازع (٢) الأمر أهله (٣)) يعني من ملكه لا من استحقه، فإن الأمر فيمن يملكه أكثر منه فيمن يستحقه، والطاعة واجبة في الجميع، فالصبر على ذلك أولى من التعرض لإفساد ذات البين. انتهى. نقله المواق أول فصل الباغية.

الثالث: اعلم أنه تجب طاعة الأمير ولو كان غير عدل ما لم يأمر بمعصية، وقد منع عمرو بن العاص رضي الله عنه جيشه وَقِيدَ النار في ليلة باردة، فلما قدموا شكوا لرسول الله صلى الله عليه رسلم فقال عَمْرٌو: كَان أصحابي في قلة فكرهت أن يراهم العدو فأعجبه صلى الله عليه وسلم، وإنما يسألونه فيما يخاف فيه الهلكة ويجمع على أنه خطأ، فيسألونه ويناظرونه فإن ظهر صوابه أطاعوه، وإلا فلا وقد رجع الصحابة لرأي أبي بكر في قتال أهل الردة. واعلم أن الإكراه لا ينفع في فعل يتعلق به حق المخلوق كالقتل والغصب، فلا يعذر أحد بالإكراه على ذلك. وفي معين الحكام: ومن هدِّد بقتل أو غيره على أن يقتل رجلا أو يقطع يده أويأخذ ماله أو يزني بامرأة أو يبيع متاع رجل فلا يسعه ذلك، فإن فعل فعليه القود ويغرم ما أتلف، ويحد إن زَنَى، ويضرب إن ضرب ويأثم، ويجب للرعية على الإمام أن يحكم بينهم بالعدل والرفق بهم ورعايتهم والنصح لهم. وسئل ملك عن الوالي إذا قام عليه قائم يطلب إزالة ما بيده هل يجب علينا أن ندفع عنه غيره؟ قال. أما مثل عمر بن عبد العزيز فنعم، وأما غيره فلا، فدعه وما يريد منه، ينتقم الله من ظالم بظالم ثم ينتقم من كليهما وسئل ملك إذا بايع الناس رجلا بالإمارة ثم قام آخر فدعا الناس إلى البيعة فبايعه بعضهم؟ فقال: قد رَوَى معاوية أن البايَع الثاني يُقتل، وهذا عندي إذا كان


(١) البخاري، كتاب الأذان، رقم الحديث ٦٩٦، ولفظه: اسمع وأطع ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة.
(٢) كذا في الأصل والذي في القبس وغيره ننازع: بنونين.
(٣) البخاري، كتاب الفتن، رقم الحديث ٧٠٥٦ - مسلم، كتاب الإمارة، رقم الحديث ١٧٠٩.