للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فخلاف الإجماع، وإذا كان في المسألة قولان أحدهما فيه تشديد والآخر فيه تسهيل فلا ينبغي أن يفتي العامة بالتشديد والخواص وولاة الأمور بالتخفيف، وذلك قريب من الفسوق والخيانة والتلاعب بالمسلمين، وذلك دليل فراغ القلب من تعظيم الله تعالى وإجلاله وتقواه، وعمارته باللعب وحب الرياسة والتقرب إلى الخلق دون الخالق، نعوذ بالله من صفات الغافلين، والحاكم في هذا كالمفتي. وإذا تعارضت الأدلة عند المجتهد وتساوت وعجز عن الترجيح فهل يتساقطان أو يختار أحدهما؟ قولان للعلماء. قاله القرافي. وقال أيضا: إن للحاكم أن يحكم يأحد القولين المتساويين من غير ترجيح. انتهى. وما ذكره من العمل بأحد المتساويين حكى غيره الإجماع على منعه، وقد أنكر الشاطبي القول بالتخيير غاية، وبالغ في إبطاله، وقال: إن القولين عند المقلد كالدليلين عند المجتهد، فكما أن المجتهد لا يجوز له العمل بأحد الدليلين من غير نظر بل لا بد له من الترجيح أو الوقف، فكذلك المقلد إن تعذر الترجيح توقف، وقول المفتي للمقلد: أنت مخير بين القولين إحداثُ قولٍ ثالث بلا دليل، وإذا لم يجد المقلد في النازلة نصا فنقل في التوضيح عند قول ابن الحاجب، فيلزمه المصير إلى قول مقلده عن ابن العربي ما نصه ويقضي حينئذ بفتوى مقلده بنص النازلة، فإن قاس على قوله أو قال يجيء من كذا [كذا (١)] فمتعذٍ، خليل: وفيه نظر والأقرب جوازه للمطلع بمدارك إمامه، وقال ابن عرفة إثر كلام ابن العربي: قلت: يرد كلامه بأنه يؤدي إلى تعطيل الأحكام لأن الفرض عدم المجتهد، فإذا كان حكم النازلة منصوصا عليه ولم يجز للمقلد المولَّى القياس على قول مقلده في نازلة أخرى تعطلت الأحكام، وبأنه خلاف عمل متقدمي أهل المذهب كابن القاسم في المدونة في قياسه على أقوال ملك، ومتأخريهم كاللخمي وابن رشد والتونسي والباجي وغير واحد من أهل المذهب، بل من تأمل كلام ابن رشد يعد اختياراته بتخريجاته في تحصيله الأقوال أقوالًا. انتهى. وقال القرافي: لمن حفظ روايَاتِ المذهب وعلم مطلقها ومقيدها وعامها وخاصها أن يفتي بمحفوظه منها، وما ليس محفوظا له منها لا يجوز له تخريجه على ما هو محفوظ له منها إلا إن حصَّل علم أصول الفقه


(١) ساقطة من الأصل والمثبت من الحطاب ج ٦ ص ٣٠٠ ط دار الرضوان.