للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخرج مسلم عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول ما يقضى) الخ، قال ابن رشد: واختلف السلف ومن بعدهم من الخلف في قبول توبة القاتل وإنفاذ الوعيد فيه على قولين، فمنهم من ذهب إلى أنه لا توبة له وأن الوعيد لاحق به، ومنهم من ذهب إلى أن القاتل في المشيئة وأن توبته مقبولة، وأما من قال: إن القاتل مخلد في النار أبدا فقد أخطأ وخالف السنة؛ لأن القتل لا يحبط ما تقدم من إيمانه ولا ما اكتسب من صالح أعماله؛ لأن السيئات لا تبطل الحسنات، واختلف أهل العلم أيضا في القصاص من القاتل هل يكفر عنه إثم القتل أم لا؟ فمنهم من ذهب إلى أنه يكفره عنه، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: (الحدود كفارة لأهلها) (١) فعمم ولم يخص قتلا من غيره، ومنهم من ذهب إلى أنه لا يكفره عنه لأن المقتول المظلوم لا منفعة له في القصاص، وإنما هو منفعة للأحياء ليتناهى الناس عن القتل {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ويخص الحديث على هذا بما هو حق دليلا يتعلق به حق لمخلوق. انتهى.

وقول الخرشي: أكد الضروريات نحوه في ابن مرزوق والضروريات التي أشار إليها هي المصرح بها في التوضيح، فإنه قال: وحفظ النفوس من الخمس المجمع عليها في كل ملة، وهي: النفوس والأديان والعقول والأعراض والأموال ومنهم من يذكر الأنساب عوض الأموال. انتهى. وقول البناني: وخرج مسلم الخ هو في البخاري أيضا، كما قال البناني عن ابن رشد: واختلف السلف ومن بعدهم الخ، سوى بين القولين. ونحوه في ابن عرفة عن ابن رشد وسلموه، مع أن القول بقبول توبته هو الراجح وعزاه ابن عطية وغيره للجمهور، وقوله: عن ابن رشد أيضا، واختلف أهل العلم أيضا في القصاص الخ نحوه لن قدمنا ذكرهم عن ابن رشد، وسلموا كلهم تسوية القولين وليس ذلك بمسلم، قال ابن جزي: حكى ابن رشد الخلاف في القاتل إذا اقتص منه هل يسقط عنه العقاب في الآخرة أم لا؟ والصحيح أنه يسقط عنه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصاب ذنبا فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة) (٢)، وبذلك قال جمهور العلماء، وحكى ابن عطية


(١) انظر البيان والتحصيل، ج ٥ ص ٤٨١.
(٢) صحيح البخاري، كتاب الأيمان، كتاب مناقب الانصار، رقم الحديث ٣٨٩٢، ولفظه: … ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة …