الشهود إلا بجرحه، والشاهد العدل لا يجرح بأن الذي شهد به لم يكن، ولا يجرح إلا بما يكون به غير عدل من الفسوق والإسفاه: وقاله عبد الملك وأصبغ وابن المواز ونحوه لسحنون في المنتخبة، قال سحنون: إلا أن يشهد مثل أهل الموسم وجماعتهم أنه أقام لهم الحج في ذلك اليوم، أو أهل مصر أنه صلى بهم العيد في ذلك اليوم فيبطل القتل؛ لأن أهل الموسم لا يجتمعون على الغلط ولا يشبه عليهم، وقد يشبه على الشاهدين فأكثر من ذلك، وقال إسماعيل القاضي: تبطل الشهادة بالقتل وهو مذهب محمد بن عبد الحكم. انتهى.
الثالث: قال الرهوني: يقتل من قَدَّم لآخر سمًّا فمات منه، ولو كان الميت هو الذي قدمه للآخر أوَّلًا، ففي نوازل الدماء من المعيار ما نصه: وسُئِلَ ابن عرفة عمن قدم لرجل طعاما وجعل السُّم فيما يلي الرجل، وقد علم الرجل بذلك فاستغفل صاحب الطعام وأدار موضعه لما بين يديه، فأكل فمات؟ فأجاب بأنه يقتل به. انتهى منه بلفظه. انتهى.
أو أطلق وبينوا عطف على ما في حيز المبالغة ففيه خلاف أيضا؛ يعني أن الشخص إذا قال: قتلني فلان وأطلق في كلامه ولم يبين هل قتله عمدا أو خطأ، فإن الأولياء إن بينوا كونه عمدا أو خطأ يقسمون ويستحقون الدية في الخطإ والقود في العمد، فقوله: وبينوا الواو للحال أي إذا أطْلَقَ المقتول في قوله قتلني فُلَانٌ ولم يقل عمدا ولا خطأ، والحال أن أولياءه بينوا بأن قالوا قتله عمدا أقسموا واستحقوا القود، أو قالوا قتله خطأ أقسموا واستحقوا الدية. هذا هو المشهور وهو ورهب المدونة. وأشار بلَوْ المقدرة هنا إلى ما في الموازية عن ابن القاسم، قال ابن الحاجب: فلو قال قتلني ولم يبين فللأولياء تبيينه. انتهى.
قال في التوضيح: أيْ مِنْ عمدٍ أو خطأ ويقسمون (١) عليه، فإن أقسموا على العمد قتلوا وإن أقسموا على الخطإ أخذوا الدية. وهذا مذهب المدونة. وفي نقله أنه المشهور ووقف ابن القاسم في الموازية، وقال: أحب إلي أن لا يقسموا إلا على الخطإ، وقال في موضع آخر: يكشف عن حاله وعن جراحه وعن موضعها وعن حال القاتل وعن الحال التي كانت بينهما من العداوة وغيرها،
(١) في الأصل: ويقسموا، والمثبت من التوضيح ج ٨ ص ١٩٠.