وقال في شرح قوله صلى اللَّه عليه وسلم:(إنما الطاعة في المعروف)(١)، إنما للحصر ويعني به ما ليس بمنكر ولا معصية، فيدخل فيه الطاعات الواجبة والمندوب إليها والأمور الجائزة شرعا، فلو أمر بجائز صارت طاعته فيه واجبة، ولما حلت مخالفته فلو أمر بما زجر الشرع عنه زجر تنزيه فهذا مشكل، والأظهر جواز المخالفة تمسكا بقوله: إنما الطاعة في المعروف، وهذا ليس بمعروف إلا أن يخاف على نفسه منه فله أن يمتثل. انتهى. انظر الحطاب.
وقال الشبراخيتي: هذا شروع منه في الجنايات التي توجب سفك الدماء فما دونه وهي سبع: البغي والردة والزنى والقذف والسرقة والحرابة والشرب، وبدأ المصنف بالبغي لأنه أعظمها مفسدة إذ فيه ذهاب الأنفس والأموال غالبا وإثارة الفتن، وعقبه بالردة لأنها وإن عظم ضررها لخسارة الدنيا والآخرة لكنها تخص صاحبها ولا تتعداه لغيره، ثم بالزنى لأنه تارة يقتل فاعله وتارة يجلد وفيه اختلاط الأنساب، ثم بالقذف لتعلقه بالأعراض، ثم بالسرقة والحرابة لأنهما لإتلاف المال وهو أضعف، وقدمهما على الشرب لأن الحد غير منصوص للشارع بل مقيس على القذف.
وقال ابن عرفة في تعريف البغي: الامتناع من طاعة من ثبتت إمامته في غير معصية بمغالبة ولو تأولا، وتعقب قول ابن الحاجب: هو الخروج عن طاعة الإمام مغالبة بأنه يختص بمن دخل في طاعته دون من امتنع منها وهم بغاة، ولهذا قاتل علي أهل الشام، وبإطلاق طاعته في المعصية وغيرها وليس هو في المعصية بغيا، قال: ويجاب بأن مراده بالخروج عدم التلبس، كقوله تعالى:{إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ}، وبأنه من حيث أمره بمعصية غير إمام، ونظر حلولو في الجوابين بأن إطلاق الخروج على عدم التلبس مجاز، ولا يصح إدخاله في الحدود دون قرينة، وفي الثانية بأن أمرد بالمعصية لا ينعزل به من الإمامة. انتهى. وقول ابن عرفة: في غير معصية يقتضي أن من خرج عن طاعته في مكروه فإن خروجه في ذلك يكون بغيا، وهو خلاف ما ذكره القرطبي من أنه ليس ببغي؛ لأنه قال: إذا أمر بمكروه فالأظهر مخالفته فيه. انتهى كلام الشبراخيتي.