الزجر عن مفسدة البغي، فإن رجعوا إلى الطاعة كففنا عن قتلهم وقتالهم وهذا زجر عن مفسدة لا إثم فيها. انتهى.
وإن تأولوا يعني أن للإمام العدل أن يقاتل البغاة حيث لم يتأولوا بل وإن تأولوا، قال الشبراخيتي: مبالغة في قوله: "الباغية فرقة خالفت الإمام"، وفي قوله:"فللعدل قتالهم"، والأصل في ذلك قتال أبي بكر رضي اللَّه تعالى عنه لمن تأول منع الزكاة بأن إمامته لا تصح، وأنه صلى اللَّه عليه وسلم أوصى لعلي بالخلافة، وبعضهم تأول أن وجوبها مخصوص بزمنه عليه الصلاة والسلام، لقوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} الآية. انتهى. وقال ابن الحاجب: والبغاة قسمان: أهل تأويل وأهل عناد. التوضيح: يعني ويقاتلون، وقد أجمع على ذلك في زمان أبي بكر رضي اللَّه عنه حيث قاتل مانعي الزكاة، وكان بعضهم مُتأولا أن وجوبها قد انقَضَى بموته صلى اللَّه عليه وسلم، لقوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}، وبعضهم معاند شحا بماله. انتهى. وقد اتضح من هذا أن المبالغة لدفع التوهم لا للخلاف. واللَّه تعالى أعلم. وعلم مما مر أن قتال البغاة واجب على العدل، وأما غير العدل فليس له قتالهم لاحتمال أن يكون سبب خروجهم عليه فسقه وجوره، ولكنه لا يجوز الخروج عليه كما مر.
كالكفار العامل فيه قتالهم فهو نائب عن المصدر؛ يعني أن الإمام العدل يجب عليه أن يقاتل البغاة ويقاتلهم كمقاتلة الكفار أي يقاتلهم بعد أن يدعوهم إلى الدخول تحت طاعته وموافقة جماعة المسلمين، إلا أن يعاجلوه بالقتال ويقاتلهم بالسيف والرمي بالنبل والمنجنيق والتغريق والتحريق وقطع الميرة والماء عنهم، إلا أن يكون فيهم نساء أو ذرية فلا يرميهم بالنار، وهذا أولى من قول الشارح والتتائي: ولا يمنعه من ذلك -أي التحريق ونحوه- وجود النساء والذرية، وما قالاه نحوه للتوضيح وابن عبد السلام. قال مصطفى: ولم يدعموه بنقل والأول هو الصواب الموافق للنقل. قاله البناني.
وقال عبد الباقي: ورميهم بالمنجنيق عبر عنه بعضهم بأن في قوله: "كالكفار" إشارة إلى أنه تنصب عليهم الرعادات أي المجانيق، خلاف ما عند ابن بشير. انتهى. قوله: خلاف ما عند ابن بشير أي من أن الرعادات لا تنصب عليهم، ونصه: يمتاز قتال البغاة من قتال الكفار بأحد