للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال من المتصوفة: إن العبادة وطول المجاهدة إذا صفت نفوسهم أفضت بهم إلى إسقاطها وإباحة كل شيء لهم، وكذا من أنكر مكة أو البيت الحرام أو صفة الحج فهذا لا مرية في كفره إن كان ممن يظن به علم ذلك وخالط المسلمين إلا أن يكون حديث عهد بالإسلام فيقال له سبيلك أن تسأل عما لم تعلمه كافة المسلمين. قال: والمرتاب فيه والمنكر له بعد البحث وصحبة المسلمين كافر باتفاق، ولا يعذر بقوله: لا أدري ولا يصدق فيه بل ظاهره التستر على التكذيب إذ لا يمكن أنه لا يدري، وكذا من أنكر القرآن أو حرفا منه أو غيَّر شيئا منه أو زاد فيه أو زعم أنه ليس بحجة، وكذا من أنكر الجنة والنار والبعث والحساب والقيامة فهو كافر بإجماع للنص عليه وإجماع الأمة على نقله متواترا، بخلاف من أنكر ما عرف تواترا من الأخبار والسير والبلاد التي لا ترجع إلى إبطال شريعة ولا تفضي إلى إنكار قاعدة من الدين كإنكار غزوة تبوك ومؤتة ووجود أبي بكر وعمر وقتل عثمان وخلافة علي. انتهى.

فخرج إنكار مكة لأن فيه إبطالا للحج وكذا غزوة بدر وحنين لأنه تكذيب للقرآن، وذكر عياض الخلاف فيمن أنكر الإجماع الكائن عن نظر دون نقل فالأكثر على تكفيره، لقوله عليه الصلاة والسلام: (من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام عن عنقه) (١)، ووقف آخرون عن القطع بتكفيره. وفي جمع الجوامع: جاحد، مجمع عليه المعلوم من الدين ضرورة كافر قطعا، وكذا المشهور والمنصوص في الأصح وفي غير المنصوص تردد، ولا يكفر جاحد الخفي ولو منصوصا فالمنصوص المشهور كحل البيع، والخفي كوجوب السدس لبنت الابن مع بنت الصلب فإنه قضى به عليه الصلاة والسلام. انتهى.

لا بأماته اللَّه كافرا يعني أن من دعا على شخص من المسلمين بأن قال له: أماته اللَّه كافرا فإنه لا يكون كافرا بسبب ذلك القول على الأصح من القولين، ومقابل الأصح أنه يكفر بقوله لشخص من المسلمين أماته اللَّه كافرا، قال التتائي: لا يكفر بقوله لآخر داعيا عليه أماته اللَّه كافرا ونحوه في الذخيرة، وصوبه ابن راشد. وأشار المصنف إلى ذلك بقوله "على الأصح" ومقابله فتوى الكركي


(١) سنن أبى داوود، كتاب السنة، الحديث، ٤٧٥٨.