للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شريعته، وإن لم يكن القائل بهذا السبيل فالقيام بحق النبي صلى اللَّه عليه وسلم واجب وحماية عرضه متعين ونصره عن الأذى حيا وميتا مستحق على كل مؤمن، لكن إذا قام بهذا من ظهر به الحق وبان به الأمر سقط عن الباقي الفرض، وبقي الاستحباب في تكثير الشهادة عليه. وسئل أبو محمد بن أبي زيد عن الشاهد يسمع مثل هذا في حق اللَّه تعالى أيسعه أن لا يؤدي شهادته؟ قال: إن رجا إنفاذ الحكم بشهادته فليشهد وكذلك إن علم أن الحاكم لا يرى القتل بما شهد به ويرى الاستتابة والأدب فليشهد ويلزمه ذلك، وأما الإباحة لحكاية قوله لغير هذين المقصدين فلا أرى لها مدخلا في الباب، فليس التفكه بعرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم والتمضمض بسوء ذكره لأحد لا ذاكرا ولا آثرا لغير غرض شرعي مباح، وأمَّا للأغراض المتقدمة فمتردد بين الإيجاب والاستحباب، وقد حكى اللَّه تعالى مقالات المفترين عليه وعلى رسله عليهم السلام على وجه الإنكار، لقولهم: والتحذير من كفرهم وهذه الوجوه السابقة الحكاية عنها، فأمَّا ذكرها على غير هذا من حكاية سبه صلى اللَّه عليه وسلم على وجه الحكايات والأسمار والطرف ومقالات الناس في الغث والسمين والخوض في قيل وقال، فكل هذا ممنوع وبعضه أشد في المنع والعقوبة من بعض، فما كان من الحاكي على غير قصد أو معرفة بمقدار ما حكاه أو لم يكن الكلام من البشاعة حيث هو ولم يظهر على حاكيه استحسانه زجر عن ذلك، وإن قيم عليه ببعض الأدب فهو مستوجب له، وإن كان لفظه من البشاعة حيث كان الأدب أشد.

وحكي أن رجلا سأل مالكا عمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقال مالك: كافر فاقتلوه، فقال: إنما حكيته عن غيري، فقال: مالك إنما سمعناه منك، وهذا من مالك رحمه اللَّه تعالى على طريق الزجر والتغليظ، بدليل أنه لم ينفذ قتله أو كانت تلك عادة له أو ظهر استحسانه لذلك أو كان مولعا بمثله. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام فيمن حفظ شطر بيت مما هجي به النبي صلى اللَّه عليه وسلم: فهو كافر، وذكر بعضهم إجماع المسلمين على تحريم ترك ما هجي به النبي صلى اللَّه عليه وسلم دون محو. انظر الشفا.

ولما أنهى الكلام على الردة التي هي: الرجوع عن الإسلام الذي هو الدعامة العظمى من الست التي أجمعت الملل على حفظها، أتبعه بالكلام على الزنى الذي هو مخل بحفظ النسب فقال: