نومُ القَاعِدِ، إن كان كثيرًا نَقَضَ، رواية واحدة، وإن كان يسيرًا لم ينقضْ، وهذا قول حماد، والحكم، ومالك، والثوري، وأصحاب الرأي، وقال الشافعيُّ: لا ينقضُ وإن كَثُرَ إذا كان القَاعِدُ متكئًا مفضيًا بمحلِ الحَدَثِ إلى الأرضِ، لما رَوَى أنسٌ، قال:((كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنَامُونَ، ثُمَّ يَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ، وَلَا يَتَوَضَّؤُونَ))، قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وفي لفظٍ قالَ:((كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُونَ العِشَاءَ الآخِرَةَ حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ، ثُمَّ يُصَلُّونَ، وَلَا يَتَوَضَّؤُونَ))، وهذا إشارةٌ إلى جميعهم وبه يتخصص عمومُ الحديثينِ الأولين؛ ولأنه متحفظٌ عن خروجِ الحَدَثِ، فلم ينقضْ وضوءَهُ، كما لو كان نومه يسيرًا.
ولنا: عمومُ الحديثينِ الأولين، وإنما خصصناهما في اليسيرِ لحديثِ أَنسٍ، وليس فيه بيانُ كثرة ولا قلة، فإن النائمَ يَخفقُ رَأْسَهُ مِن يَسيرِ النومِ، فهو يقينٌ في اليسيرِ، فيعملُ به، وما زادَ عليه فهو محتملٌ لا يتركُ له العمومُ المتيقَّنُ؛ ولأنَّ نقضَ الوُضوءِ بالنومِ مُعَلَّلُ بإفضائِهِ إلى الحَدَثِ ومع الكثرةِ والغَلبةِ يُفْضِي إليه، ولا يحسُّ بخروجِهِ منه، بخلافِ اليسيرِ، ولا يصحُّ قياسُ الكثيرِ على اليسيرِ، لاختلافهما في الإفضاءِ إلى الحَدَثِ.
الثالثُ: ما عدا هَاتينِ الحالتينِ، وهو: نومُ القَائمِ، والرَّاكعِ، والسَّاجِدِ، فرُوِي عن أحمدَ في جميع ذلك روايتان:
إحداهما يَنقضُ. وهو قولُ الشافعيِّ؛ لأنه لم يردْ في تَخْصِيصِهِ من عمومِ أحاديثِ النقضِ نصٌّ، ولا هو في معنى المنصوصِ، لكونِ القاعِدِ مُتَحَفِّظًا، لاعتمادِهِ بمحلِّ الحَدَثِ إلى الأرضِ، والراكعُ والساجدُ يَنْفَرِجُ محلُّ الحَدَثِ منهما.
والثانية لا ينقضُ إلا إذا كَثُرَ. وذهبَ أبو حنيفةَ إلى أن النَّومَ في حالٍ من