أحوالِ الصَّلاةِ لا ينقضُ وإن كَثُرَ؛ لما رَوى ابنُ عباسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْجُدُ، وَيَنَامُ، وَيَنْفُخُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي، وَلَا يَتَوَضَّأُ. فَقُلْتُ لَهُ: صَلَّيتَ وَلَمْ تَتَوَضَّأْ وَقَدْ نِمْتَ؟ فَقَالَ:((إِنَّمَا الوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا؛ فَإِنَّهُ إِذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ)) رواه أبو داود؛ ولأنه حالٌ من أحوالِ الصلاةِ فأشبهتْ حالَ الجُلوسِ.
والظاهرُ عن أحمدَ التَّسوِيةُ بينَ القِيامِ والجُلُوسِ؛ لأنهما يَشْتَبِهَانِ في الانخفاضِ واجتماعِ المخرجِ، وربما كان القائمُ أبعد من الحَدَثِ لعدمِ التمكنِ من الاستثقالِ في النومِ، فإنه لو استثقلَ لسَقَطَ. والظاهرُ عنه في السَّاجِدِ التَّسوِيةُ بينه وبينَ المضطجعِ؛ لأنه يَنْفَرجُ محلُّ الحَدَثِ، ويَعْتَمِدُ بأعضائِهِ على الأرضِ، ويَتَهَيَّأُ لخروجِ الخارجِ فأشبهَ المضطجعَ.
والحديثُ الذي ذَكَرُوهُ منكرٌ. قاله أبو داود)) (المغني ١/ ١٢٨ - ١٣٠).
الثانيةُ:
قال الخطابيُّ:(((قوله: إِنَّ المَلَائِكَةَ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا) فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون معنى وضع الجناح من الملائكة: بَسْط أجنحتها وفَرْشهَا لطالبِ العلمِ، لتكون وِطاءً له، ومعونةً إذا مَشى في طلبِ العلمِ.
والوجه الثاني: أن يكونَ ذلك بمعنى التواضعِ من الملائكةِ؛ تعظيمًا لحقه، وتوقيرًا لعلمه، فتضمُّ أجنحتها له وتخفضها عنِ الطيرانِ، كقولِهِ تعالى {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة}[الإسراء: ٢٤].
والوجهُ الثالثُ: أن يكونَ وَضعُ الجناحِ يُرَادُ به النزولُ عندَ مجالسِ العلمِ والذكرِ، وترك الطيران، كما رُوي أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((مَا مِنْ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَاّ حَفَّتْ بِهِمُ المَلائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ