وقال الترمذيُّ -عقبه-: "وهو قولُ غيرِ واحدٍ من أهلِ العلمِ، وبه يقولُ: سفيانُ الثوريُّ، وابنُ المباركِ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، قالوا: يَمْسَحُ عَلَى الجَورَبَينِ وإن لم يكن نَعْلَينِ، إذا كانا ثَخِينَينِ"(السنن ١٠٠).
قال المباركفوريُّ:" (إذا كانا ثَخِينَينِ)، أي: غَلِيظَينِ ... ، وعُلِمَ مِن هذا القَيدِ أن الجوربينِ إذا كانا رَقِيقَينِ لا يَجوزُ المسحُ عليهما عندَ هؤلاءِ الأئمةِ، وبقولهم قال صاحبا أبي حنيفة؛ أبو يوسف، ومحمد"(تحفة الأحوذي ١/ ٢٧٨).
قال ابنُ المنذرِ: "اختَلَفَ أهلُ العلمِ في المسحِ عَلَى الجوربينِ:
فقالتْ طائفةٌ: يَمسَحُ عَلَى الجَورَبَينِ، رُوِيَ إباحة المسحِ عليهما عن تسعةٍ من أصحابِ النبيِّ عليه السلام: عليٍّ، وعَمَّارٍ، وأبي مسعودٍ، وأنسٍ، وابنِ عمرَ، والبراءِ بنِ عَازبٍ، وبِلالٍ، وأبي أُمامةَ، وسهلِ بنِ سعدٍ، وقال بهذا القول: عطاءٌ، والحسنُ، وابنُ المسيّبِ، كذلك قالا: إذا كانا صَفِيقَينِ، وبه قال: النخعيُّ، وابنُ جُبيرٍ، والأعمشُ، وسفيانُ، وابنُ حَيٍّ، وابنُ المباركِ، وزُفرُ، وأحمدُ، وإسحاقُ. قال أحمدُ: قد فَعَلَهُ سبعةٌ أو ثمانيةٌ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقال إسحاقُ: مضتِ السُّنَّةُ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم منَ التابعينَ في المسحِ عَلَى الجَورَبَينِ، لا اختلافَ بينهم في ذلك، وقال أبو ثورٍ: يمسحُ عليهما إذا كانا يمشي فيهما، وكذلك قال يعقوبُ، ومحمدٌ: إذا كانا ثَخِينَينِ لا يَشِفَّانِ.
وأنكرتْ طائفةٌ المسحَ على الجَورَبَينِ، وكرهته، وممن كَرِهَ ذلك ولم يَرَهُ: مالكٌ، والأوزاعيُّ، والشافعيُّ، والنُّعْمَانِ، وهذا مذهبُ عطاءٍ، وهو آخرُ