ولعلَّه كان لشُعبةَ مع هذا الحديثِ قصةٌ أو رحلةٌ ما، ولذا قال ما قال، ويؤيِّدُ ذلك ما روَى ابنُ خُزَيمةَ بإسنادِهِ عن شُعبةَ أنه قال:"هذا الحديثُ ثُلُثُ رأسِ مالي"(صحيح ابن خزيمة ١/ ١٠٤).
وقد كانوا يستحسنون الأحاديثَ لأُمورٍ أُخَرَ، لا علاقةَ لها بثبوتها من عدمِهِ، وإلَّا فلا يستقيمُ حمْلُ كلامِهِ هذا على ثبوتِ الحديثِ عنده مع ما سبقَ نقلُه عنه، ولذا قال مُغْلَطاي:"ولولا قولُ مَن قالَ: إنَّ عَمْرًا أَخذَ عنه هذا الحديثَ بعد الكِبَر؛ لكان قولُ مَن صَحَّحَ على قولِ المضعِّف أرجحَ"(شرحه سنن ابن ماجه ٢/ ٣٩١).
وهذا كلامٌ سديدٌ. فهذه علةٌ تمنعُ من صحةِ الحديثِ بلا ريب.
العلةُ الثانيةُ: أن الصوابَ في هذا الحديثِ عن عليٍّ رضي الله عنه موقوفًا مِن قولِهِ؛ فقد رواه الدَّارَقُطْنيُّ (٤٢٥): من طريقِ يزيدَ بنِ هارونَ، نا عامر بن السِّمْط، نا أبو الغَرِيفِ الهَمْدانيُّ، قال:((كُنَّا مَعَ عَلِيٍّ فِي الرَّحْبَةِ، فَخَرَجَ إِلَى أَقْصَى الرَّحْبَةِ، فَوَاللهِ مَا أَدْرِي أَبَوْلًا أَحْدَثَ أَوْ غَائِطًا، ثُمَّ جَاءَ فَدَعَا بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ قَبَضَهُمَا إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ صَدْرًا مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ قَالَ: ((اقْرَءُوا القُرْآنَ مَا لَمْ يُصِبْ أَحَدَكُمْ جَنَابَةٌ، فَإِنْ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ فَلَا، وَلَا حَرْفًا وَاحِدًا)). قال الدَّارَقُطْنيُّ:"هو صحيحٌ عن عليٍّ".
وهكذا رواه عبدُ الرزاقِ (١٣١٧) عن الثَّوْريِّ، وابنُ أبي شَيْبةَ (١٠٩٢) عن شَرِيكٍ، والبَيْهَقيُّ (٤٢١) من طريقِ الحسنِ بنِ حَيٍّ.
ثلاثتُهم عن عامرِ بنِ السِّمْطِ (١)، عن أبي الغَرِيفِ، عن عليٍّ، موقوفًا.
(١) وقع في مصنف عبد الرزاق: (عامر الشَّعْبي)، وهو محض وهَمٍ؛ فالحديثُ لعامر بن السِّمْط، والثَّوْري لا يَروي عن الشَّعْبي، وقد أشارَ محقِّقُ طبعة المكتب الإسلامي: إلى احتمال كون هذا الوهَمِ من أوهام الدَّبَري.