أولًا: توثيقُ الدَّارَقُطْنيِّ لا يَقصِدُ به عبدَ الملكِ، كما فهِمَ الشيخُ؛ بل الواضحُ أنه يَقصِدُ به المُغيرةَ بنَ عبد الرحمن، والدليلُ على ذلك عدةُ أمور:
١ - أن الضميرَ يرجعُ إلى أقربِ مذكورٍ، وهو المُغيرةُ.
٢ - أن كلَّ مَن تَكلَّم عن عبد الملك قبْل الدَّارَقُطْني كأبي حاتم، وأبي زُرْعةَ، وابنِ حِبَّانَ، وابنِ يونسَ، كل هؤلاء جرَحوا عبدَ الملك وضعَّفوه، والأصلُ موافقةُ الدَّارَقُطْنيِّ لهم حتى يتبيَّنَ خلافُه بنصٍّ صريحٍ واضحٍ.
٣ - أن الحافظَ ابنَ عبدِ الهادِي، وابنَ المُلَقِّن، وابنَ حَجَر، كل هؤلاء وقفوا على عبارة الدَّارَقُطْنيِّ، ولم يَفهموا منها توثيقًا لعبد الملك، بل ضعَّفوه وأعَلُّوا به هذا الطريق، وقد سبقتْ أقوالُهم.
٤ - أن الذَّهَبيَّ والحافظَ ابنَ حَجَرٍ نَقَلا في ترجمة عبد الملك قولَ ابنِ يونسَ وابنِ حِبَّانَ، ولم يَذْكُرا فيه شيئًا عنِ الدَّارَقُطنيِّ، وهما حريصان على نقلِ كلامِهِ. (الميزان ٥٢٥١)، و (اللسان ٤٩٢٨).
٥ - أن الدَّارَقُطْنيَّ ابتدأ بالكلامِ عن عبد الملك، فقال:"كان بمِصْرَ"، ثم تكلَّم عن الحديثِ، فذكرَ أنه غريبٌ عن المُغيرةِ، فأنهَى الدَّارَقُطْنيُّ كلامَه عن عبد الملك بدخوله في الكلام عن الحديث، فلو كان المرادُ توثيقَ عبدِ الملك؛ لكان الأليقُ به ذِكرَ ذلك بعدَ -أو قبْلَ- قولِه:"كان بمِصرَ".
ومع كلِّ ذلك؛ لو سلَّمْنا -جدَلًا- بما ذهبَ إليه أحمد شاكر، لكان قولُ أبي زُرْعةَ، وأبي حاتم، وابنِ يونسَ، وابنِ حِبَّانَ هو المقدَّمَ؛ لأنهم أكثرُ عددًا، وجرْحهم مفسَّر، وهو كوْنُ عبدِ الملكِ منكَرَ الحديثِ لا سيَّما عن