الأَمْرُ الرابعُ: أن هذه الروايةَ تخالفُ في لفظها ما رواه الليث بن سعد وهو أوثقُ الناسِ في سعيدٍ المقبري، وعبدُ الحميدِ بنُ جَعْفَرٍ وغيرُهُما، وذلك أنَّ المحفوظَ في متنه:((أنَّ ثُمَامَةَ رضي الله عنه قَدْ ذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ))، ولَفْظُهُ هنا:((أَنَّهُ أَسْلَمَ، ثُمَّ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَغْتَسِلَ))، وزَادَ:((وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ)).
أما ما ذَهَبَ إليه البيهقيُّ في (معرفة السنن ١/ ٤٧٥)، وابنُ الملقنِ في (البدر المنير ٤/ ٦٦٥)، من تصحيحِ الحديثِ، فغيرُ سديدٍ وكأنهما لم يَنْظُرَا إلى المخالفةِ في متنه، ولم يَتَعَرَّضَا لكلامِ ابنِ معين في روايةِ عبدِ الرزاقِ، عن عبيدِ اللهِ العُمَريِّ.
والصوابُ كما في (الصحيحين) وغيرِهِما: ((أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَطْلَقَ سَرَاحَهُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، ثُمَّ جَاءَ فَأَعْلَنَ إِسْلَامَهُ))، كذا رواه الليثُ بنُ سعدٍ وغيرُهُ عن سعيدٍ المقبريِّ، وكذا خَرَّجَهُ الشيخان من طريقِ الليثِ.
وحاولَ البيهقيُّ أن يَجمعَ بيْنَ الروايتينِ فقالَ:((يُحتملُ أن يكونَ أَسْلَمَ عندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ اغْتَسَلَ، وَدَخَلَ المسْجِدَ فَأَظْهَرَ الشَّهَادَةَ ثَانيًا، جمعًا بَيْنَ الرِّوايتينِ)).
وبنحوه قالَ ابنُ دَقيقِ العِيدِ، وزاد:((وليسَ تركُ الأَمْرِ بالغُسْلِ في هذه الروايةِ مُعَارِضًا للأَمْرِ به في الروايةِ الأُخْرَى على ما عُرِفَ من قبولِ الزيادةِ)) (الإمام ٣/ ٣٩).
وقال ابنُ الملقنِ نحوه في (البدر المنير ٤/ ٦٦٥، ٦٦٨).
وهذا الجمعُ -عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَكَلُّفٍ- لا يساعدهم عليه سياقُ الحديثِ في (الصحيحين)، لَا سيَّما وقد رواه أحمدُ كما سبقَ بلفظِ:((فَبَدَا لَرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَطْلَقَهُ، وَقَذَفَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِهِ. قَالَ: فَذَهَبُوا بِهِ إِلَى بِئْرِ الْأَنْصَارِ فَغَسَّلُوهُ فَأَسْلَمَ)).
لذلك قال ابنُ عبدِ الهادي:((وفي (الصَّحيحينِ) أنه اغْتَسَلَ، وليسَ فيه أَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم له بذلك)) (تنقيح التحقيق ١/ ٣٥٦)، و (المحرر صـ ١٣٥).
وقال ابنُ حَجَرٍ:((وأصلُهُ في (الصحيحين) لكن عندهما أنه اغْتَسَلَ، وليس فيهما أَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بذلك)) (التلخيص الحبير ٢/ ١٣٦).