يجعل الرواية الصحيحة المجردة مما تفرَّدَ به: محمد بن ثابت شاهدًا لحديثه، ثم يقول:"إلا أنه حفظ فيها للذراعين ولم يثبتها غيره! " فكيف يجوزُ أن يقالَ في حقِّ زيادة في قصةٍ -تفرَّدَ بها ضعيفٌ مثل ابن ثابت-: إنه حفظها؟ ! مع مخالفته لابن الهاد والضحاك بن عثمان، وهما ثقتان أحفظُ منه بدرجاتٍ! وهل هذا إلا من أمثلة الحديث المنكر؟ ! " (ضعيف أبي داود -الأم ١/ ١٣٧ - ١٣٨).
قلنا: فكلامُ البيهقيِّ إنما يقالُ إن كان محمد بن ثابت ثقةً حافظًا، فكيف وقد ضَعَّفَهُ جمهورُ العلماءِ كما تقدَّمَ، بل جعلوا هذا الحديث دليلًا على سوءِ حفظه، فهذا ابنُ حِبَّانَ يقول عنه: "إنه كان يرفع المراسيل ويسند الموقوفات توهمًا من سوء حفظه" انتهى، ولذلك أَنْكرَ عليه الحفاظُ رَفْعَهُ لما رأوا مَن خَالفه أوثق منه في نافعٍ كمالكٍ وعُبيدِ اللهِ وغيرِهم.
الرابع: استدلاله برواية الدارمي قال: "سألتُ يحيى بن معين، قلت: محمد بن ثابت العبدي؟ قال: ليس به بأس".
يجاب عنه برواية الجماعة عن ابن معين تضعيفه، بل قد أنكرَ ابنُ مَعينٍ قولَه هذا، فقال عباس الدوريُّ: "سمعتُ يحيى يقول: محمد بن ثابت الذي يحدِّثُ عن نافعٍ عن ابنِ عمرَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في التيممِ بصري وهو ضعيف. قلتُ ليحيى: أليس قلت مرة: ليس به بأس؟ ! قال: ما قلتُ هذا قط" (تاريخ ابن معين رواية الدوري ٤٥٣٧).
ففي هذه الروايةِ إنكار من ابن معين توثيق ابن ثابت، فكان الأَوْلى للبيهقيِّ أن ينقلَ قولَه هذا؛ إذ فيه زيادة عن التضعيف إنكار للرواية المستدل لها، أو الأخذ بكل الروايات وليس برواية واحدة، كما أن ابنَ مَعينٍ لو انفردَ بالتوثيقِ وخالفَهُ الجمهورُ فالأَوْلى الأخذُ بقولِ الجمهورِ.