للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هكذا جاءت العبارة عنده: ((فيه شيء، ويقرب))، فلو صح هذا كان لصنيعهما وجه قوي، ولكن الذي وجدناه في أكثر طبعات السنن: ((فيه شيء يقرب))، بلا (واو)، وهذا الشيء الذي عناه أبو داود هو -والله أعلم- ما ظهر له من اتفاق السياقتين في رد المستحاضة إلى تمييز الدم. وهذا فيه نظر كما ستراه فيما يأتي.

الثالث: بعد أن خَرَّج الحاكم حديث الأوزاعي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: اسْتَحَاضَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ -وَهِيَ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ- سَبْعَ سِنِينَ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((إِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي)). قال الحاكم: ((وقد تابع محمد بن عمرو بن علقمة الأوزاعي على روايته هذه عن الزهري على هذه الألفاظ))، ثم ساق الحاكم حديث ابن عمرو عن الزهري عن عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش في شأن استحاضتها كما سبق ذكره! ! (المستدرك ٦٢٧ - ٦٢٩).

فأوهم كلامه أن كلًّا من الأوزاعي وابن عمرو قد تابع الآخر، مع أن أحدهما جعله في شأن أم حبيبة، والآخر جعله في شأن فاطمة، فهما حديثان لامرأتين مختلفتين، وبسياقتين مختلفتين أيضًا! !

وإن كان يعني بكلامه أن كلا الحديثين شاهد للآخر! ففيه نظر أيضًا؛ إذ لا يصح الاستشهاد لحديث الأوزاعي بحديث ابن عمرو، ولا العكس؛ لأمرين:

الأول: أن لفظ حديث ابن عمرو صريح في رد فاطمة إلى تمييز الدم باعتبار لونه. بخلاف لفظ حديث الأوزاعي، فليس فيه ذكر للون الدم أصلًا. وإن كان معناه يحتمل الرد إلى التمييز، فهو أيضًا يحتمل الرد إلى العادة، كما بيَّنَّاه تحت حديث فاطمة المخرج من الصحيحين.