وكلٌّ أعرف بطبعه، قال: والنتر ما ورد به الخبر، وهو أَنْ يمر أصبعًا ليخرج بقية إن كانت. والمختار أَنَّ هذا يختلف باختلاف الناس، والمقصود أَنْ يظن أنه لم يبق في مجرى البول شئ يخاف خروجه، فمن الناس من يحصل له هذا المقصود بأدنى عصر، ومنهم من يحتاج إلى تكراره، ومنهم من يحتاج إلى تنحنح، ومنهم من يحتاج إلى مشي خطوات، ومنهم من يحتاج إلى صبر لحظة، ومنهم من لا يحتاج إلى شيء من هذا، وينبغي لكل أحد أَنْ لا ينتهي إلى حد الوسوسة، قال أصحابنا: وهذا الأدب - وهو النتر والتنحنح ونحوهما - مستحبٌّ، فلو تركه فلم ينتر ولم يعصر الذكر واستنجى عقيب انقطاع البول ثم توضأ؛ فاستنجاءه صحيح، ووضوءه كامل؛ لأن الأصل عدم خروج شئ آخر" (المجموع ٢/ ٩٠ - ٩١).
كذا قال، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: عن الاستنجاء هل يحتاج إلى أَنْ يقوم الرجل ويمشي ويتنحنح ويستجمر بالأحجار وغيرها بعد كل قليل في ذهابه ومجيئه لظنه أنه خرج منه شيء: فهل فعل هذا السلف رضي الله عنهم. أو هو بدعة أو هو مباح؟
فأجاب:
"الحمد لله، التنحنح بعد البول والمشي والطفر إلى فوق والصعود في السلم والتعلق في الحبل وتفتيش الذكر بإسالته وغير ذلك: كل ذلك بدعة ليس بواجب ولا مستحب عند أئمة المسلمين، بل وكذلك نتر الذكر بدعة على الصحيح لم يشرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك سلت البول بدعة لم يشرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحديث المروي في ذلك ضعيف، لا أصل له، والبول يخرج بطبعه، وإذا فرغ انقطع بطبعه، وهو كما قيل: كالضرع إن تركته قرّ، وإن حلبته درّ.