ولذا تعقب الترمذيَّ مغلطاي من عدة وجوه، فقال:"وفيما قاله نظر من وجوه"، ثم ذكر منها:"الأول: بترجيحه حديث إسرائيل على حديث زهير، وهو معارض بما حكاه الإسماعيلي عن القطان وما حكاه الآجري: وسألت أبا داود عن زهير وإسرائيل عن أبي إسحاق فقال: زهير فوق إسرائيل بكثير، وهذا يصلح أَنْ يكون بابا في الرد على الترمذي، لتقديمه إسرائيل على زهير في أبي إسحاق، وكان جماعة تابعوا زهيرًا فيما حكاه الدارقطني، وهم: أبو حماد الحنفي وأبو مريم وشريك وزكريا ابن أبي زائدة في رواية، وربما تقدم من متابعة يوسف له أيضًا من عند البخاري المصرح فيه بسماع أبي إسحاق من عبد الرحمن، وبأن زهيرًا لم يختلف عليه، وبأن إسرائيل تابع زهيرًا كما أسلفناه"، وذكر وجوها أخرى، ثم قال:"الثامنة: رواية إسرائيل المرجحة عنده مضطربة أيضًا بما ذكره عباد القطواني وخالد العبد عنه عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله، ورواه الحميدي عن ابن عُيَيْنَةَ عنه عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد، وإنما منعنا من استقصاء الخلاف على أبي إسحاق في هذا قول الدارقطني: اختلف عنه فيه اختلافًا شديدًا، والله تعالى أعلم.
والذي يظهر من ذلك أَنَّ أبا إسحاق سمعه من جماعة، ولكنه كان غالبا إنما يحدثهم به عن أبي عبيدة، فلما نشط قال: ليس أبو عبيدة الذي هو في ذهنكم أني حدثتكم عنه حدثني وحده، ولكن عبد الرحمن، يؤيد ذلك مجيئه عنه أيضًا عن غير المذكورين أو يكون من باب السلب والإيجاب نفي حديث أبي عبيدة، وأثبت حديث عبد الرحمن وهذا أشد على الترمذي لكونه نفي لحديث أثبته هو، ولعل البخاري لم ير ذلك متعارضا وجعلهما إسنادين، وأسانيدهما قدمناها" (شرح ابن ماجه ١/ ١٦٣ - ١٦٧).